تاريخه ونشأته:

انتشر نظام الوخز بالإبر في الصين قبل الميلاد بخمسة قرون، وكما تشير الوثائق المدونة فإن اكتشاف هذا النوع من التداوي كان على موعد مع الصدفة عندما أصيب جندي بسهم نافذ في صدره، وبعد علاجه لاحظ الجندي أن الأمراض التي كان يعاني منها قبل الإصابة قد اختفت، كما لاحظ أن بعض المناطق على سطح الجسم انعدم فيها الإحساس بالألم رغم بعدها عن مكان الإصابة.

التقط أطباء صينيون الخيط، وقد أبدوا اهتماما خاصا بهذه الظاهرة، وأخذوا يجرون عليها تجاربهم، وقد تبين لهم أن الإصابة في هذه المنطقة بالتحديد يحد من الألم، كما لاحظوا دلالات معينة على وجود علاقة بين مرض عضو معين بالجسم ووجود ألم في نقطة معينة على الجلد، ومن هما استوحوا فكرة علاج هذا العضو عن طريق هذه النقطة.

وقد اكتشفوا شبكة من الخطوط والنقط تغطي جميع أجزاء الجسم، وبتوصيل هذه النقط بعضها ببعض تم تحديد مسارات معينة على الجسم، وهي الآن تعرف بجهاز العلاج بالإبر الصينية وهى أشبه ما تكون بالجهاز العصبي.

ولقد ثبت في عام 1965 ، من خلال مجموعة من التجارب الكهروفسيولوجية أن الألياف الدقيقة فى الأعصاب هى المسئولة عن نقل نبضات الألم ببطء للجهاز المركزي للألم ، وأن للإبر الصينية تأثير منبه على الألياف العصبية الكبيرة المسئولة عن منع مرور الإحساس بالألم خلال الخلية العصبية وبالتالي إلى الجهاز المركزي للإحساس في المخ . وقد تبين أن وخز نقاط معينة يؤدي لغلق بوابات الجهاز العصبي الأمر الذي يؤدي لوقف السيل العصبي من بعض المراكز في المخ .

الإبر الصينية تغزو العالم:

 ظل استخدام الناس للعلاج بالإبر الصينية حتى عرفوا الطب الأوروبي، وقد كلف إمبراطور الصين طبيبه الخاص " شاي بو " بتأليف كتاب عن الوخز بالإبر يتضمن جميع الخبرات والنظريات التي وضعت في هذا المجال إلا أنه لم تتم ترجمة الكتاب لفترة طويلة من الزمان لعدم الإلمام باللغة الصينية وصعوبة تعلمها ، وقد بدأ العلاج بالإبر الصينية في الانتشار في اليابان ثم دول شرق أسيا والهند مع حلول القرن السابع عشر، ولم يأت القرن الثامن عشر حتى عرفت ألمانيا هذا النوع من التداوى ، ومن ألمانيا انتشر في فرنسا خلال القرن التاسع عشر.

وعندما أصابت الأمراض والأوبئة الصين في عام 1957 ، أمر الرئيس " ماوتسي تونج " الأطباء والباحثين بتطوير هذا النمط من العلاج غير المكلف، حيث قام علماء الصين بدراسة كتاب الإمبراطور المدون عن الوخز والعلاج بالإبر، وتم تطويره وترجمته إلى جميع لغات العالم، لتبدأ دوائر الأبحاث في مناطق مختلفة من العالم في تفسير هذه الظاهرة.

وهم الألم المصاحب للعلاج بالإبر:

يتخوف البعض من العلاج بالإبر معتقدين أنها مؤلمة أو ناقلة للأمراض ، على الرغم من أن الحقيقة غير ذلك حيث أنها تمتاز بالدقة الشديدة إذ لا يتجاوز حجمها حجم شعرة الإنسان العادية بالإضافة إلى ذلك فان هذه الإبر تستخدم لمرة واحدة فقط ثم يتم التخلص منها.

وعلى العكس من هذا الاعتقاد يشعر الأشخاص الذين يعالجون بالإبر الصينية باسترخاء كبير أثناء جلسة العلاج ، وربما يستغرق البعض في النوم أثناء الجلسة.

رحلة الإبر الصينية مع البحث العلمى:

توصل الصينى " كيم بونهاونزن " في عام 1964 إلى وجود قنوات ونقط خاصة بوخز الإبر أطلق عليها " كين جراك - Kyngraka . " وهو الاكتشاف الذي أحدث ثورة في أسلوب العلاج وإزالة أو تخفيف الألم.

وقد انعكست هذه النتائج المذهلة التي توصلوا إليها فى شكل ردود فعل عالمية واسعة النطاق . ثم جاء دور الطبيب الفرنسي " بول نوجيه " فى تطوير العلاج عن طريق الوخز في الأذن ، تبعه الطبيب الألماني " ول " بأبحاث عن علاقة مسارات ونقط العلاج بالإبر الصينية والجهاز العصبي ، ضمنها في كتابه الذى يدرس حالياً في الصين وأوروبا.


ولقد أسهمت زيارة الرئيس الأمريكي السابق " نيكسون " وزوجته إلى الصين فى انتشار العلاج بالإبر الصينية فى الولايات المتحدة الأمريكية عندما اطلع على هذا النمط من العلاج ورأي بنفسه نتائجه المبهرة وبعد عودته إلى بلاده انتشر العلاج بالوخز في الولايات المتحدة.

الاعتراف الرسمي بالإبر الصينية:

اعترفت منظمة الصحة العالمية رسمياً بالإبر الصينية كعلاج هادف وفعال بحلول عام 1979 . وقد تم عقد أول مؤتمر عالمي لهذا النمط العلاجى في الصين في نفس العام ثم توالت المؤتمرات العالمية لدراسة وتعميم هذا العلاج في شتى أنحاء العالم . وفي الدول العربية بدأ العلاج في مصر عام 1971، وفي ليبيا عام 1983، تلى ذلك انتشاره في دول الخليج العربي.

وسائل الوخز بالإبر:

استخدم قدماء الصين إبراً ذات مقاسات مختلفة تبدأ من نصف بوصة ، وتتألف من أربعة أجزاء هى اليد والجذع والجسم والرأس ، ومن خامات متنوعة كالخشب والحجر وعظام الحيوانات ثم تطورت لتصنع من الذهب والفضة والبرونز والصلب الذي لا يصدأ ، وفي عصر الإمبراطور الصينى " ماوتسي تونج " كانوا يصنعون رأس الإبرة من النحاس.

وقد توصل الطبيب الفرنسى " بول نوجيه " إلى أن لنوع الإبرة تأثير مختلف في العلاج وأن إبرة الذهب تؤدي لأفضل النتائج.

التفسير العلمي:

 كشفت تجارب أجريت على الأرنب أن الوخز بالإبر يؤدي لاتساع الأوعية الدموية بظهر وصدر الأرنب كما يؤدي لحدوث اتساع مماثل في الأوعية الدموية للأمعاء. وقد تبين أيضاً أنه عند حدوث انقباضات في الأوعية الدموية في أماكن معينة في ظهر الفأر يؤدي بدوره إلى انقباض في الأوعية الدموية للمخ كذلك لاحظ الباحثون أن الوخز بالإبر في بعض المناطق يؤدي إلى زيادة كرات الدم البيضاء وإفراز بعض كيماويات الدم التي تزيد من مناعة الجسم أي بمثابة تكوين مضاد حيوي داخلي.

وقد أصبح من المعروف أن سطح الجلد يعكس تأثير حالة أعضاء الجسم الداخلية على شكل إحساس بالألم عند ضغط أو لمس هذه المنطقة من الجلد أو فى شكل انقباض عضلي ، أو قد تنبسط الأوعية الدموية أو تنقبض ، ويمكن تفسير ذلك كله بما يسمى نظرية رد الفعل اللاإرادي من العضو إلى السطح مثل ما يحدث في حالة جلطة الشريان التاجي حيث يظهر الألم في الكتف الأيسر . ويطلق على نقط الجلد التى تظهر ما يحدث بالأعضاء الداخلية بنقط التنبيه ، وهى ذات أهمية كبيرة إذ تلعب دوراً مهماً للعلاج بالوخز بالإبر.

ومن المعروف أنه عند الوخز بالإبر فى نقط التنبيه يقوم الجهاز العصبي المركزي بافراز مواد مخدرة المواد كالـ " إندروفين " و " إنكيفالين " بكميات مقننة تشبه المورفين ولكنها لا تسبب الإدمان.

اندماج العلاج بالكي مع الإبر:

الكي بالنار من الأساليب العلاجية التى عرفها الإنسان منذ آلاف السنين ، ووجد بذلك مرسوم على معابد قدماء المصريين . ومن المعروف أن العرب أيضا أصحاب تاريخ معروف عن وسائل الكي بالنار ، وليس أدل على هذا من أن أساليب الكي الشعبي مازالت متوافرة في كثير من البلدان العربية وبخاصة بين بدو الصحراء والشعوب البدائية في أفريقيا وأسيا ، وربما يرجع ذلك إلى أن هذه المتجمعات تقاوم التغير بشكل كبير، لذا فهى تحتفظ بكثير من تراثها ومنه الطبى . ولقد طور الصينيون والأوروبيون نظاماً يستخدم الآن على نطاق واسع ، يعتمد على تسخين نقط العلاج بالإبر في وجود أعشاب طبية مثل الشيح ، حيث توضع هذه الأعشاب على شكل أقماع أو سيجارة ، كما يستعمل الأوروبيون أيضاً لهذا الغرض الأشعة تحت الحمراء ، إلا أنه وجد أنها محدودة التأثير.

الوخز بالليزر:

 فى عام 1975 تم في ألمانيا إنتاج أول جهاز ليزر من نوع " هيلوم - نيون " لأغراض الوخز بالليزر ، والذى يعد الآن أحد أنواع العلاج بالإبر الصينية التى جاءت بنتائج مدهشة وبدون أية مضاعفات . ولقد تطورت هذه الأجهزة ، حيث تم تصنيع أجهزة ليزر تحت الحمراء، تستخدم في علاج الأمراض الجلدية والآلام المزمنة.

الوخز بالإبر في الأذن:

بالنسبة للوخز بالإبر في الأذن فقد وجد أن استشارة جلد قناة الأذن يجعل القلب يعمل ببطء وهو ما يؤثر على تدفق الدم والحركة وهكذا ، حيث يحدث تغير في النبض وتعتبر هذه الطريقة مهمة في تشخيص كثير من الأمراض . ويعود الفضل فى هذا الأسلوب العلاجى إلى الدكتور " بول نوجيه " الذى بدأ العلاج بهذه الطريقة في فرنسا ، وأدخل عليها تطورات عامة مثل رد فعل القلب الأذني الذى يعتمد على تنبيه المنطقة القابلة للعضو المريض في الجسم.

وربما يكون من الغريب أن نسمع أن نظرية العلاج فى الأذن تعتمد على أن كل الأعضاء تنعكس على الأذن ، حيث يكون وضعها أشبه ما يكون بوضع الجنين داخل الرحم فالرأس إلى أسفل كما هو حال الجنين داخل الرحم . وقد اكتشف العلماء وجود أكثر من 200 نقطة موزعة على الأذن . وتستعمل لهذا الغرض إبر صغيرة الحجم خاصة بالأذن تثبت بواسطة شريط لاصق ولمدة معينة.

وتعتبر الإبر الصينية فى الأذن أحدث وسيلة لإنقاص الوزن، وقد تطورت هذه الطريقة ، حيث تغرس الإبر في صيوان الأذن في مناطق محددة وبأشكال مختلفة . ويقوم المريض بحك الإبر برفق وبطريقة دائرية لمدة دقيقتين لكل إبرة قبل تناول وجباته الغذائية بثلث ساعة أو عند الإحساس بالجوع مع الالتزام بالنظام الغذائي للحصول على نتائج جيدة. ويرجع الأطباء عملها إلى أنها تؤثر على مركز الجوع ، حيث تؤدى إلى انقباض الجزء الأعلى من القناة الهضمية " المعدة والأمعاء " فتقلل الإحساس بالجوع.

ومن ناحية أخرى ، توصلت مؤسسة الأمراض النفسية البريطانية وهي جمعية خيرية في دراسة لها إلى أن استخدام العلاج بالإبر الصينية في منطقة الأذن يحد من حالات الاكتئاب لدى النساء.

فوائد العلاج بالإبر الصينية:

  1.   الالتهابات الروماتيزمية المفصلية والانزلاق الغضروفي.
  2.  الجيوب الأنفية ، والربو الشعبي والصداع النصفي وشلل الوجه والشلل النصفي.
  3.  الذبحة الصدرية وهبوط ضغط الدم وارتفاع الضغط بالأطراف.
  4.  اضطرابات النوم والاكتئاب النفسي وانفصام الشخصية والصرع.
  5.  آلام الولادة وانقطاع الطمث ونقص الرضاعة.
  6.  التهابات الجهاز البولي وسلس البول والمغص الكلوي والتهاب البروستاتا.
  7.  الإكزيما والهربس وحب الشباب وتقرح الأطراف.
  8.  ضعف السمع وطنين الآذن ودوار البحر واضطراب النظر.
  9.  التخسيس في حالات السمنة المفرطة لتأثير الوخز على الشهية.

أما أحدث حالات العلاج بالإبر التي تستعمل حاليا على نطاق واسع تعطي نتائج ممتازة فهي التخدير لإجراء العمليات الجراحية ومنها عمليات القلب المفتوح والصدر والمخ كذلك أعطي الوخز بالإبر نتائج ممتازة لمدمني المخدرات والإقلاع عن التدخين..

الاستجابة للعلاج بالإبر الصينية:

يجدر القول أن استجابة المرضى للعلاج بالإبر الصينية ليست واحدة. ففي الحالات الحادة إذا كان المرض حديثا يكون العلاج أسرع . أما في الحالات المزمنة. فإن العلاج يأخذ وقتا طويلا كما أن هناك أشخاصا لا يستجيبون نهائيا للعلاج إما لنقص وراثي في مستقبلات مادة إندورفين بالخلايا العصبية أو أنه يرجع لظروف نفسية أو فسيولوجية فهناك إنسان محب للحياة يستخدم للعلاج وهناك إنسان كاره للحياة لا يستجيب جسده للعلاج.

الإبر الصينية وعلاج السرطان:

كشفت دراسة فرنسية أجراها باحثون من المعهد الفرنسي للصحة والأبحاث الطبية على 90 مريضا يعانون من آلام السرطان ، ولم تتمكن العلاجات التقليدية من تخفيفها ، أن المعالجة بالوخز بالإبر تخفف من آلام مرضى السرطان.

وكما أفادت صحيفة " لو جورنال سانتيه " الفرنسية فقد تم تقسيم العينة لمجموعتين ، الأولى خضعت للعلاج بالإبر في حين تلقت المجموعة الثانية العلاج التقليدي.
وأظهرت نتائج الدراسة أنه حدوث تحسن ملحوظ لدى المجموعة التي خضعت للعلاج بالوخز بالإبر بعد مرور شهرين من العلاج ، حيث انخفضت شدة الألم لديهم بنسبة 36 بالمائة مقارنة بالمجموعة الثانية.

وفى نفس الإطار، أجرى المعهد القومي للصحة في ماريلاند نشرت نتائجها في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية ، حيث استخدم أسلوب الوخز الكهربائي مع سبعة وثلاثين مريضا في منطقتين من الجسم لتخفيف الآلام الشديدة التي يشعر بها مرضى السرطان الذين يتعاطون جرعات كبيرة من العلاج الكيماوي ، بالإضافة إلى إعطائهم بعض مضادات القيء العادية ، بينما استخدم أسلوب آخر للوخز بالإبر مع ثلاثة وثلاثين مريضا وحصل ثلاثة وأربعون آخرين على عقاقير مضادة للقيء فقط.

ومن المعروف أن مرضى السرطان يصابون بالضعف والوهن الشديدين بسبب الشعور بالغثيان والقيء نتيجة تناول العقاقير القوية.

وكانت النتيجة أن تعرض مرضى الفئة الأولى الذين حصلوا على وخز كهربائي بنوبات من الغثيان والقيء خمسة مرات في الأيام الخمسة التالية للتجربة في حين تعرض مرضى المجموعة الثانية الذين استخدمت معهم طريقة أخرى للوخز لتلك الأعراض عشر مرات في الفترة نفسها في حين وصلت هذه النسبة إلى خمس عشرة مرة لدى المجموعة الثالثة التي لم تحصل سوى على العقاقير ويوصي الباحثون الآن بأن تستخدم المستشفيات الوخز الكهربائي مع المرضى الذين لم تفلح معهم العقاقير العادية المضادة للقيء.

yomgedid

بوابة "يوم جديد"

  • Currently 374/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
124 تصويتات / 6245 مشاهدة
نشرت فى 21 يوليو 2008 بواسطة yomgedid

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

معبد الأقصر