في بداية عام 1997، قفزت فجأة نعجة سموها " دوللي " فوق المفاهيم والأعراف والتوارثات ودخلت، من حيث لا خيار لها، إلى التاريخ من بابه الواسع، وأصبحت إلى جانب العظماء الذين لهم سيرهم منذ بدء الخليفة إلى اليوم .

لماذا أدت ولادة النعجة " دوللي " المستنسخة من دون تزاوج، ومن خلايا الأم فقط، إلى هذا الفيض من الجدل، واعتبرت الحدث الأهم منذ ثورة كوبرنيكوس العلمية وانشطار الذرة والوصول إلى القمر ؟ لماذا أقلقت " دوللي " الجميع من حكومات وأديان ومجتمعات، في مغارب الأرض ومشارقها، وتصدرت واجهة الأحداث والاهتمامات ؟ لأن الأمر يتعلق هنا بإنجاز علمي كبير جدا اعتبر، حتى اليوم، مستحيلا ، وإن كانت هذه النعجة قد ماتت بالتهاب حاد في المفاصل ، ولأن نتائجه على مصير الإنسان والإنسانية على درجة عظيمة من الخطورة.

تكمن فرادة هذا الحدث في أنها المرة الأولى في التاريخ التي يتم فيها استنساخ إحدى الثدييان من دون تلقيح للبويضة بحيوان منوي، من خلية بالغة أخذت من غدة ثدييه لنعجة أخرى .

والجدير بالذكر، أننا نتحدث هنا عن خلية جسدية، أي خلية حيوان عادية وليست خلية وراثية بدائية للخلايا الجنسية . وترتكز التقنية التي اعتمدها الدكتور " يان ويلموت "، من معهد روسلين الزراعي بالقرب من أدنبره في إنجلترا عام 1997، على زرع خلايا الغدد الثديية، وعلى تفعيل نواتها بحيث تصبح قادرة على إنتاج جنين كامل، وبالتالي حيوان مشابه لأمه وراثيا .

وتنحصر الطريقة في أخذ خلية جنسية ( بويضة ) من نعجة أولى وتفريغها من نواتها التي كانت تحمل 23 كروموزما، ومن ثم دمجها مع خلية تحمل 46 كروموزما أخذت من نسيج ثديي نعجة ثانية بواسطة شحنة كهربائية في أنبوب المختبر، فتنشأ، بنتيجة ذلك، خلية جنسية واحدة قابلة للانقسام والتكاثر والتطور . بعد ذلك، يتم نقل هذه الخلية من أنبوب المختبر إلى رحم نعجة ثالثة لكي تكون الحاضنة الطبيعية . وتعتبر النعجة التي ستولد من هذه " الحاضنة "، أثر هذا الإنجاز، نسخة طبق الأصل عن النعجة الثانية التي أخذت منها الخلية الثديية .

إذا، كل ما فعله العالم البريطاني " يان ويلموت " وفريقه، أنه نجح بتحويل خلية جسدية، لاجنسة، تحمل 46 كروموزما، لأن تتصرف كأنها بويضة ملقحة لها نفس الفعالية في الإخصاب، ولكن ليس عن طريق العلاقة الجنسية .

وتأتي كلمة استنساخ من اليونانية " KLON "، وتعني مجموعة من الأجسام المتشابهة وراثيا والمنحدرة من جسم واحد عن طريق تزاوج غير جنسي، وتعطي كل خلية، عند انقسامها، خلايا صغيرة مشابهة لها 100% .

ويرتكز هذا النوع من التكاثر، الذي يطلق عليه اسم التناسل بالانشطار، على استطالة الخلية ثم انقسامها إلى خليتين متشابهتين تنقسمان، بدورهما إلى أربعة، وهكذا دواليك . . ونجد هذا النوع من التناسل لدى النباتات، خصوصا النباتات التي تتم زراعتها على شكل شتول، أي زرع جزء من النبتة في محيط غذائي مناسب مما يؤدي إلى ولادة نبتة كاملة تتضمن الجذور وجميع الأقسام على شكل متشابه جدا .

إن ما نراه اليوم أبحاث هامة جدا أثبتت أن الإنسان وصل إلى مراحل متقدمة جدا في العلوم ساعدت في تطوير علم الأجنة مما سيسمح له بإنتاج حيوانات متغيرة وراثيا عن طريق الهندسة الوراثية، وبالتالي، أصبح ممكنا إنتاج بعض البروتينات الخاصة بالإنسان والتي تدخل في تركيب أدوية خاصة من طريق الحيوانات . وإلى ذلك سيفتح هذا الاكتشاف آفاقا أخرى أمام العلم للحصول من الحيوان على أعضاء يمكن نقلها إلى الإنسان ( كلية – كبد . . )، كما أن هذه التجربة تساعد على دراسة وفهم أول مراحل النمو الجنيني خاصة عندما توجد تشوهات كروموزومية . . .

محاذير الاستنساخ

لأبد من استصدار قوانين وتشريعات تحول دون نقل هذه التجربة، على الأقل، إلى الإنسان وذلك للأسباب التالية :

  1. أن الله خلق الإنسان وكرمه بإنسانيته فوق جميع المخلوقات، وسن له قانون التناسل والتكاثر لحفظ النوع البشري على الأرض، وتاليا استمرار الحياة . وفي التعاليم السماوية كان للنسب وارتباط المولود بأهله وقضايا الميراث وحماية الأسرة والوفاء بالعلاقات الزوجية . . . وحمل الأم والأب مسئولية التربية والتنشئة الصالحة، أهمية كبرى ليستمر مشعل الحياة مضاء ينتقل من يد إلى أياد أخرى منذ الخلق وحتى اليوم . فإذا نقلت عملية الاستنساخ إلى الإنسان يكون ذلك بمثابة تخريب لكل هذا النظام الإلهي والقوانين السماوية .
  2. شعور الإنسان وإحساسه تجاه أبويه وحنوهما عليه حق طبيعي أكسبه إياه الله بتوالده من ذكر وأنثى حسب الفطرة الإنسانية، إذ لا يمكن أن يكون صنف ما من البشرية وكأنه نبت من تفاعلات كيميائية بعيدة عن المشاعر الإنسانية التي هي، أساسا، ما يجعل التفاهم والتكامل قائمين في البشرية جمعاء .
  3. تستطيع هذه التجربة إنتاج نسخ مماثلة ومشابهة لكائنات تضيع في داخلها الفروقات الخلقية والنفسية التي ينفرد كل إنسان بمكتسباته منها، ناهيك عن الميزات الوراثية والبيئية التي يتفاعل المرء فيها، بعيدا عن أن يكون الإنسان شبيها بدراجة أو سيارة أو أية سلعة تصنع حسب الطلب، إذا إن في ذلك تعديا على كرامة من كرمة الله على جميع مخلوقاته .

فور انتشار نبأ هذا الاكتشاف العلمي ولخطره على الكيان الإنساني، تنادت المؤسسات الاجتماعية والإنسانية والدينية والحكومية، في العالم بأسره، للتحذير من التلاعب بالوراثة الإنسانية والإقدام على الاستنساخ البشري، إذ حذر كل من رئيس جمهورية فرنسا، ورئيس الولايات المتحدة الأميركية، العلماء، أصحاب هذه النظرية، من الانجراف في مثل هذه التجارب وأعطيا التوجيهات اللازمة لعرقلة مثل هذه المشاريع .

كما أن الهيئة الوطنية الاستشارية الأميركية للمسائل الأخلاقية أوصت رئيس الولايات المتحدة الأميركية والكونغرس الأميركي بوجوب منع إجراء مثل هذه التجارب قطعيا، وقطع الأموال والمساعدات الحكومية التي يمكنها أن تذهب لتمويل هكذا أبحاث ودراسات .

وفي قمة دنفر، التي عقدت في يونيو 1997 في الولايات المتحدة الأميركية لرؤساء الدول الصناعية السبع الكبرى وروسيا، صدر لأول مرة، قرار فريد من نوعه بعلن عن تصميم قادة هذه الدول على التعاون الوثيق فيما بينهم للحؤول دون استخدام فرق الاستنساخ لإنتاج أطفال اصطناعيين، كما قرروا إقامة تعاون دولي وثيق لتبادل المعلومات واتخاذ التدابير وكافة الإجراءات اللازمة لحظر نقل نواة الخلايا من أجل الاستنساخ البشري . وهذا مما لا شك فيه، يعكس مدى القلق الدولي من المنحنى الذي يمكن أن تأخذه هذه التجارب .

  • Currently 39/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
13 تصويتات / 1645 مشاهدة
نشرت فى 6 يونيو 2005 بواسطة byotna

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,897,482

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك