التعايش مع السرطان

كانت البداية حينما عانى أحد المقربين من هذا المرض اللعين، أدركت وقتها أن الوقت قد حان للتحدث عن معاناة هؤلاء المصابين من مرض الموت ورحلة العذاب الشاقة التى يمرون بها بداية من صدمة التشخيص حتى نهاية المطاف سواء أكان خيرا أم لا ، ولا تزال الكلمة تستحضر مخاوف الموت للكثيرين بمجرد ذكرها.

ويعد السرطان الآن أحد ابرز أمراض العصر الحالي، والتي تستقطب اهتمام معظم العلماء وذلك بحثا عن علاج رادع لهذا الخطر الداهم الذي أصبح يهدد حياة الإنسان.

والسرطان عبارة عن مجموعة من الأمراض التي تتميز خلاياها بالنشاط العدواني، و قدرة هذه الخلايا المنقسمة على غزو أنسجة مجاورة وتدميرها، أو في أحيانًا أخرى الانتقال إلى أنسجة أخرى.

ولأن مريض السرطان من المصابين الذين يمرون بمرحلة علاج طويلة وقاسية جدا، كان لابد من طرح آلية التعامل مع المرض حيث يؤكد جميع الأطباء أن الحالة النفسية والتماسك أمام هذا المرض يعد فوزا لنصف المعركة.  

* رحلة اكتشاف المرض والمعاناة

مفهوم رحلة المعاناة لمريض السرطان تختلف عن مصابي الأمراض الأخرى، فالمرض كما ذكرنا غير معروف الأسباب في معظم الأحوال، ومن ناحية أخرى هو غير قابل للعلاج إلا في أطواره المبكرة، وبعض أنواعه النادرة.

ويؤكد العلماء والأطباء أن العامل النفسي لدى مريض السرطان، يعد أهم عوامل العلاج فهناك من يصمد للمرض ويعبر المرحلة الخطيرة بنجاح، وهناك من يستسلم ويقع فريسة فى طياته.

وتبدأ الرحلة بمجرد علم المريض بعد تشخيص العينة أنها "خبيثة"، يعانى خلالها من حالة شديدة من الاكتئاب خاصة مع بداية الأسابيع الأولى وغالبا قد تصل إلى فقدان للشهية، ورفض للحديث مع أي شخص وزيادة في حدة الانفعال بل وفى أحيانِ أخرى تصل الحالة للانتحار.

ويمر مريض السرطان بطرق علاج كثيرة ومؤلمة تبدأ أولها بالأدوية ويليها العلاج الإشعاعي والكيماوي.

* الآلام وسائل العلاج

يمر مريض السرطان بمراحل علاج شديدة وقاسية ومؤلمة للغاية، بداية من الأدوية المخدرة والجراحة ومحاولات استئصال المرض ثم النهاية بالعلاج الإشعاعي والكيماوي.

ويؤكد العلماء أن الجراحة والأدوية المخدرة والأشعة لا تشفي دائما حتى عندما تستخدم لعلاج مراحل أولية من الإصابة بالسرطان، وذلك لأن هذه الأدوية المعالجة للسرطان وغيرها لها نفس العيب الرئيسي للعلاج بالأشعة فهي غالبا ما تدمر الخلايا الطبيعية إلى جانب الخلايا السرطانية ، ومؤثراتها الجانبية يمكن أن تشمل عوارض فسيولوجية حادة مثل القيء والغثيان والضعف والدوخة وتساقط الشعر.

وتشير الإحصائيات أن الأمل ضعيف لتطوير لقاح ضد السرطان، إذ أن أسباب المرض تعتبر غامضة حتى تلك اللحظة.

* مأساة استخدام وسائل العلاج

أثبتت الدراسات أن استخدام العلاج الإشعاعي والكيماوي يسبب في بعض الحالات أورام الدم التي لا علاقة لها بالورم الأصلي، وقد كان الأطباء في السابق يستخدمون العلاج الإشعاعي لعلاج بعض الأمراض غير الخبيثة مثل مرض التهاب فقرات الظهر، وتشير الإحصاءات أن الخطر من ظهور أورام الدم هذه هو خطر ضئيل ولكنه موجود, ولكن في كل الأحوال التي يستخدم العلاج الكيماوي أو الإشعاعي اليوم تكون فوائد استخدام هذين النوعين من العلاج أعظم من الأضرار المحتملة على مدى بعيد، بالرغم من هذا تجري دائما الدراسات العلمية لاستكشاف أي العقاقير الكيماوية مثلا أقل خطرا من غيرها في التسبب في نشوء أورام الدم وكذلك تجرى الدراسات لاستكشاف أي التقنيات والوسائل تقلل من خطر العلاج الإشعاعي الخاص بهذا الشأن.

* الحالة النفسية كعامل مؤثر والإيمان بالقدر

ينصح الأطباء بضرورة توخى الحذر عن التعامل مع المرضى ذوى الحالات النفسية السيئة، ويؤكدون أن تجنب بعض التعبيرات مثل "أنا حزين جداً، أنا مضطرب، أنا محطم، هذه هي النهاية ..."، لأن ذلك يعد عاملا أساسيا  في عدم الشفاء داخلياً لأنك تلقي باللوم والمسئولية على جهة خارجية.

وفى سياق متصل يشير الأطباء إلى أن الانغلاق على النفس واليأس، أثناء العلاج يكون أكثر العوامل تأثيرا على الشفاء،  فقد يخسر المريض طاقته آنذاك، ومن هنا تبدأ المرحلة الصعبة التي تجمع بين علاج الألم والنفس في آن واحد.

إن اتجاه النفس للتضرع إلى الله في هذه الأوقات العصيبة يعد أحد العوامل الهامة للتغلب على مثل تلك الأزمات، فالإيمان والصبر واجبان لقد بني هذا الدين على التسليم لحكمة الله وإرادته، فأول مراتب تعظيم الأمر التصديق به، ثم العزم على امتثاله، إن الإنسان الذي ينعم بعقيدة القدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن الأمة لو اجتمعت لن تضره إلا بشيء، قد كتبه الله عليه.

يقول الله تبارك وتعالى { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، فعلى المسلم الذي يصاب بمرض فى جسده  أن يسلم بأمر الله وان يكون على يقين أن الله سيعوّض عليه بها الثواب في الآخرة، وان هذا الابتلاء يعد تكفيراً لسيئاته أو ترفعه درجات يعوض الله عليه.

* التعامل مع المصابين بالمرض

"نصائح حالات مرت بالمعاناة وشفيت"

كان لانتشار مرض السرطان في معظم المجتمعات أثرا فى أن يتجه الأطباء للبحث عن وسائل لمساعدة المرضى لتخطى أكبر المشكلات إلى تواجههم وهى حالة المرض النفسية، حيث عادة ما يقع معظمنا في خطأ كبير ألا وهو الاهتمام فقط بالجانب الطبي وما إلى ذلك من أشياء متعلقة بمرض السرطان، وفي الوقت نفسه يتم تجاهل الجانب النفسي للمريض على الرغم من تأثيراته الإيجابية للقضاء على المرض.

وتعليقا على ما سبق يرى الأطباء أن دور الطب النفسي في التعامل مع مصابي هذا المرض من قبل المحيطين به من أسرته وأصدقائه يعد عاملا هاما وباب للخروج  من تلك الأزمة، اذ أن مرض السرطان ليس ككل الأمراض فمن ناحية هو غير معروف السبب، ومن ناحية أخرى هو غير قابل للعلاج إلا في أطواره المبكرة، وتشير أحدث الدراسات العلمية أن الفهم لحقيقة السرطان هو انه مرض مرتبط بجهاز المناعة ، وأيضا مرتبط بالحالة النفسية التي هي أيضا مرتبطة بجهاز المناعة، لذا يجب أن تكون الحالة النفسية للمريض جيدة بالشكل الكافى لتخطى عقبات هذا المرض.

معنى ذلك أن الاحتفاظ بالأمل، والإيمان بالله، يساعد في التغلب على الاكتئاب، وربما على السرطان، واحترام أسباب الحزن لا يعنى التسليم لها، والإيمان بالله قبل وبعد ومع العلم هو الطمأنينة الكبرى للمريض والأهل والتسليم لقضائه هو الصبر الجميل. 

* حالة مصابة

قمت بسؤال بعض الحالات التي مرت بأنواع مختلفة من السرطان، اجتمعوا جميعا على كلمة واحدة كان من الواجب أن أقف عندها وأتساءل هل المعاناة الواحدة هى السبب في أن تجتمع كافة إجابات مصابي هذا المرض على نتيجة واحدة أم أن النظرة أصبحت تشاؤمية وكان وهذا هو نتاجها الطبيعي.

أي مرض في الكون يمكن الشفاء منه إذا أراد الله سبحانه وتعالى ذلك، وذلك أكان العلاج موجودا أم لا، والتجربة البشرية أثبتت هذه المقولة، فالعديد من الحالات المستعصية جدا تم الشفاء منها بدواء أو بدون.

تقول أمل "25 عاما" أحد المصابين بسرطان الدم أو ما يعرف "اللوكيميا"، أن بداية معرفتها بإصابتها كانت صدمة شديدة جدا فقد كانت فى المستشفى تزور جدتها وفجأة شعرت بهبوط حاد ألح عليها أخوها بعمل بعض الفحوصات، خاصة وأنهم فى المستشفى وان هذه الحالة مرت بها أكثر من مرة، وبالفعل ذهبت للطبيب وقامت بعمل بعض التحاليل التى بينت وجود سرطان الدم، ومن هنا كما تقول أمل "بدأت أعيش حالة لا يرثى لها رفضت الطعام وشعرت بان الدنيا قد انتهت بي خاصة وما كان يزيد الأمر سوءًا أنني أنتمي لأسرة فقيرة وعلاج هذا المرض كما أعرف يتطلب تكاليف باهظة الثمن، بصراحة والدي باع كل ما يملك لعلاجي، وأخي كان يعمل في الصباح والليل حتى يمكنه توفير بعض المصروفات، نقطة التحول كانت أثناء صلاتي أيام شهر رمضان حينها وقفت بجانب إحدى المصليات وأثناء دعائها لا أعرف ما الذي دفعني لسماعها برغم أنني كنت أركز في صلاتي بالطبع صوتها كان عاليا بعض الشيء، ووجدتها تدعو وتقول يا رب اشفِ ابني من هذا المريض اللعين وألهمنا الصبر، سألتها بعد الصلاة وقلت لها كنتِ منهارة جدًا أثناء الدعاء هل هناك شيء ما؟ أجابت: نعم ابني مصاب بسرطان الرئة ولا جدوى من العلاج. قلت لها: أنا كمان عندي سرطان دم، حضنتني حضن شديد لن أنساه وقالت لي: يا حبيبتي يا بنتي انتي كمان مصابة بالمرض ده؟! ربنا يشيل عنك. قلت لها: يا رب. قالت لي: احمدي ربنا على كل شيء وصبرك عند ربنا ممكن يكون هو الدواء اللي مش هيقدر يديهولك الطبيب.

أجبتها والدموع تسيل من عيني وقلت "يارب" عاودت سؤالي أثناء الخروج من المسجد وقالت لى تحبي تتعالجي مع الدكتور بتاع ابني. قلت لها: إحنا ماديا مش قوي وأنا أخاف الأطباء دول كشفهم غالى. قالت لي كلنا فقراء إلى الله تعالى بس وسلمى أمرك لله وبالفعل ذهبت للطبيب وبدأ معي العلاج من البداية وطالبني بالالتزام بكل ما يقول ووعدته بذلك وبدأت اشعر براحة شديدة لمجرد الحديث مع الدكتور وشعرت بالتحسن بعد حالة شديدة من اليأس أصابتني لمدة لا تقل عن 7 شهور، أحب ان أقول لمن يمر بهذا المرض أن يعرف أن رحمة ربنا فوق كل شئ، وان الصبر فعلا هو مفتاح الفرج " 

تعتمد الطريقة التي يتكيف بها الناس مع السرطان إلى حد كبير بقدراتهم السابقة على مواجهة مشكلات الحياة وأزماتها.

فالبعض يتغلب على تحديات المرض بأسلوب هادئ وبنّاء نسبيًّا، في حين قد يتضاعف الأثر لدى آخرين خاصة الذين يعانون سلفًا من صعوبات نفسية واضطرابات عاطفية. 

ويؤكد أحد الأطباء أن بحوثا كثيرة قد أجريت وأظهرت  انخفاض معدل الوفيات عند الأفراد ذوى الكثير من الأصدقاء "اجتماعيين"، مقارنة بأولئك الذين يفتقرون إلى تلك الروابط، وأظهرت دراسة أجريت عام 1993 في نيويورك على مصابات بسرطان الثدي المتقدم تأثيرًا إيجابيًّا ليس فقط في نوعية الحياة بل في طول البقاء على قيد الحياة. 

لذا فالمواجهة مع المرض تعد فوزا فى نصف المعركة كما ذكرنا وها هى بعض الخطوات التى ستقودك للفوز:-

1- لا تهتم لما يقال عن هذا المرض وانه مرض الموت فهناك حالات كثيرة شفيت بعد فترة علاج وجيزة.

2- ليس هناك أي دليل يربط ظهور السرطانات بأنواع معينة من الشخصيات، لذا لا تفكر فى أسباب ظهور هذا المرض.

3- ابحث دائما عن كل ما هو جديد وحاول الارتباط بأصدقائك أكثر من قبل فهم خير عونا لك أثناء تلك المعركة.

4- لا تستسلم فقد تشعر بحالات اكتئاب، استعن بالله ولا تخشى اى شئ.

 5- لا تهاب الحديث مع الطبيب فهو معينك الأول بعد الله، ثق به وناقشه فى كل ما يدور بخاطرك وسلم أمرك إلى الله.

المصدر: إعداد: إيناس عقاب
  • Currently 353/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
116 تصويتات / 8981 مشاهدة
نشرت فى 22 ديسمبر 2009 بواسطة byotna

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

21,177,051

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك