ولإزالة هذا الخوف قد يلجأ المراهق إلى تجريب الأدواء التي سيقوم بها فيما بعد . وهو عندما يفعل ذلك فإنما يفعله دون قصد أو وعي أو دراسة تامة للهدف الذي يرمي إليه من وراء ذلك التجريب . وبعبارة أخرى فإنه لا يتخذ موقف المفكر في مستقبله بوعي فيقارن أو يوازن بين الأمور أو يستشير من حوله ثم يخرج من ذلك كله بحكم مبني على عملية تفكير ( تحليل النتائج المترتبة على كل احتمال ثم اختيار في النهاية مبني على هذا التحليل ) . على العكس فإنه يفعل ذلك عن طريق السلوك العشوائي المبني على الصدف والتخبط .

ففي أثناء محاولاته لتحديد الدور المهني مثلا قد يجرب أنواعا من التعليم الجامعي ( إذا سمح نظام التعليم بذلك ) أو يجرب بعد ذلك أنواعا من الأعمال ويظل ينتقل بين عمل وآخر أو قد يستغرق في القراءة أو في أحلام اليقظة وهكذا . وفي الدور الجنسي قد يظل يتردد بين الإقدام على الزواج والإحجام عنه أو تأجيله وقد يكرر الدخول في علاقات مع أفراد متنوعين من الجنس الآخر واجدا في ذلك فرصة لكي يعرض نفسه في كل مرة بشكل مختلف إذ لا يستطيع أن يستقر على تحديد واضح للسمات التي يختارها باعتباره ذكرا أو أنثى وهكذا فيما يتعلق بباقي الأدوار .

فإذا لم تسفر هذه المحاولات التجريبية عن خروج المرهق بتحديد واضح لهويته واستمر عند هذه المرحلة من التشتت والانتشار فإن المراهق الذي لا يستطيع عندئذ أن يحتمل القلق والتوتر الناشئين عن مثل هذه الحالة، وقد يلجأ للتخفف منهما إلى أسلوب أو آخر من الأساليب اللاتوافقية .

وسوف نتناول في هذا الصدد أسلوبين من هذه الأساليب كثر الكلام عنهما أخيرا كما زاد انتشارهما بشكل واضح هذان الأسلوبان اللاتوافقيان هما : " الاغتراب " و" التطرف "

وبالرغم من ان كلا الأسلوبين يعتبر نتيجة لما يمر به المراهق من ثورة داخلية، ومن شعور بعدم الرضا عن الأوضاع الاجتماعية إلا أنهما يختلفان من حيث طريقة التعبير عن هذه الثورة وعدم الرضا . ففي حين أن المغتربين يوجهون اهتمامهم على وجه الأخص إلى الداخل، نجد أن المتطرفين يوجهون اهتمامهم إلى الخارج وفي حين أن المغتربين يعنيهم بالدرجة الأولى العلاقات الإنسانية الشخصية والنمو الذاتي نجد أن المتطرفين يعنيهم بالدرجة الأولى النظام الاجتماعي والقضايا السياسية أو الدينية .

لقد أجرى العديد من الأبحاث فيالعالم الغربي لمعرفة العوامل التي تحدد اتجاه المراهق إلى هذه الناحية أو تلك ووجد أن الخلفية البيئية وظروف التنشئة الاجتماعية وعوامل شخصية أخرى لها علاقة كبيرة في هذا المجال على أننا لا نستطيع أن نعمم هنا نتائج هذه الأبحاث على بيئتنا المحلية ولا شك أننا في أشد الحاجة إلى أبحاث ميدانية تعطينا المؤشرات الصادقة في هذا الصدد على أن الذي يعنينا الآن هو أن نتناول هاتين الظاهرتين : الاغتراب والتطرف كنتيجتين محتملين لظروف الاستطالة في فترة المراهقة، ولعدم قدرة المراهق على الخروج من هذه المرحلة لسبب أو لآخر من الأسباب التي سبق ذكرها وذلك دون إغفال بعض التفاصيل والظروف الهامة في كل حالة على حدة .

  • Currently 257/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
86 تصويتات / 1740 مشاهدة
نشرت فى 26 يونيو 2007 بواسطة byotna

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,838,639

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك