حتى وقت قريب كانت مكانة العباءة الشرقية تتأرجح في ساحة الأناقة، البعض يرى أنها ثوب تقليدي يكبل المرأة ويعيدها إلى بيئة مغلقة ويواريها جسداً وحضوراً اجتماعياً ويحول دون حرية الحركة لديها، كما يعرقل أداءها العملي سواء في البيت او خارجه. بينما يرى البعض الآخر أنها أكثر أصالة تستمد قيمتها وجماليتها من التراث العربي الذي يعكس انتماء المرأة الى بيئة حضارية تعطيها هويتها في خضم العولمة التي تلغي الخصوصية، إضافة إلى أن دخول العباءة عالم الأزياء يمكن التحكم فيه بشكل لا يتعارض مع الأناقة ومفهوم الحداثة. وبمعزل عن الرؤى السلبية والايجابية لا نستطيع أن ننكر أن العباءة التي توارت من دون ان تغيب في العقود الأخيرة من القرن العشرين فرضت حضورها في تصاميم الأزياء ليس عربياً فقط وإنما عالمياً في السنوات الأخيرة.

وأسباب ذلك كثيرة، أهمها ان المصممين العالميين لا يتوجهون فقط الى أسواقهم الأوروبية والأميركية، وإنما الى أسواق عربية مربحة، تحتل حيزاً مهماً من حجم أعمالهم، سواء من خلال القصة او التطريز او الفكرة العامة للثوب، الذي قد يأتي على شكل قفطان او يتسع لينسدل على أجساد العارضات على شكل فستان سهرة بأقمشة شرقية النوع واللون، او يعدل استخدام العباءة لتصير معطفاً بقبعة مع تطريز شرقي يوضع فوق احدث صيحات الموضة ليزيد من سحرها. هذا على الصعيد العالمي
أما على الصعيد العربي فالعباءة صارت فنا قائماً بذاته، لها مصممون ومصممات في مختلف الدول العربية من لبنان الى مصر الى الأردن الى المغرب، هذا عدا عن العباءة الفلسطينية التي تحمل في مفهومها أكثر من رغبة للمحافظة على التراث، لتصير رمزاً لمعاناة شعب يناضل ليستمر على قيد الحياة، ان لم يكن بالمعطيات السياسية، فلا بأس بالثقافة الاجتماعية والتراث.
أما في الخليج العربي، فيمكن القول ان العباءة التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من أسلوب الحياة اليومي للمرأة، خرجت الى الواجهة لتصبح صناعة فنية تغرف من بيئتها في إطار مبتكر، لان أدواتها غنية في الأصل وعريقة، مما يسمح للمصممين بإبهار العين من خلال أنواع عديدة للعباءات التي تتنوع هويتها بين بداوة وحضارة وصحراء، مع جرأة في اللون والشك والتطريز واستخدام الأحجار الكريمة الغالية.

وجديد العباءة الشرقية انفتاحها على العوالم المحيطة بها، لتخرج من شرق اوسطيتها الى استلهام الفنون الشعبية اليدوية من أفغانستان وباكستان والهند وأحيانا العمق الأفريقي، وتغني تصاميمها بقواعد "الهوت كوتير" وبأحدث التقنيات العالمية للخياطة وتطويع الأقمشة بحيث تنسجم مع مفاهيم الأناقة العصرية.
من هنا لم تعد العباءة زياً تقليدياً ترتديه الجدات، وإنما صارت ضرورة لا بد ان تتوفر في خزانة كل امرأة، لتعطي إطلالتها خصوصية في السهرات والمناسبات، بعد اتساع دائرة تصاميمها حتى تتمكن المرأة العصرية من ارتدائها باقتناع وراحة.
ولعل إقبال الملكات والأميرات ونساء المشاهير على العباءات الشرقية في المناسبة الكبرى روج لهذا الزي، مما شحذ مخيلات المصممين العرب، فعكفوا على دراسة أصول تصميم العباءة وعمدوا الى تطويرها من خلال مزج المعطيات المتوفرة أصلا في بيئة كل بلد مع بساطة التصاميم الغربية. كل هذا جعل العباءة لا تقتصر فقط على السيدات اللواتي بلغن منتصف العمر أو تجاوزنه، ويحتجن الى إخفاء عيوب أجسامهن وامتلائها، وانما باتت تخاطب الشابات أيضا لما تتميز به من أناقة عصرية، سواء من خلال تصاميم تنبض بالحركة وتعكس العلاقة بالزى الشرقي ، مع ميل الى رفع منسوب الجمال وإبراز الأنوثة من دون ابتذال. ولعل عامل اللون شكل اول ثورة حداثية في عالم العباءة، التي كانت محافظة على ألوانها الداكنة من اسود او بني او ترابي او ابيض، ليقتحم الفوشيا والأصفر والفيروزي والأحمر وحتى الجينز والفرو والجلد التصاميم الجديدة.
وتبرز براعة مصممي العباءات في قدرتهم، من خلال التلاعب بالتصميم، على إعطاء الأولوية لأنوثة المرأة وإخفاء بعض العيوب، الأمر الذي قد لا يتوافر في الأزياء الغربية التي تلزم النساء بنظام حمية مستمر، او تبعث اليأس في نفوسهن، خصوصا وان المرأة العربية ممتلئة في أماكن معينة من جسمها عند الخصر والبطن والأوراك، بسبب جيناتها الوراثية، وبالتالي تستطيع العباءة وحدها من دون سائر الأزياء أن تخفي هذه العيوب وتمنح المرأة شعور بالراحة والتميز في الوقت ذاته.

  • Currently 242/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
83 تصويتات / 3257 مشاهدة
نشرت فى 18 يوليو 2007 بواسطة byotna

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

21,307,244

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك