وقد رأيت من الأفضل تقسيم أسباب العقم عند الرجل إلى قسمين :

1 ـ العقم الأبدي
الناجم عن أمراض الخصيتين بحد ذاتها وهذا لا ينجح فيه العلاج .

2 ـ ضعف الخصوبة ـ أو العقم النسبي
ليس لهذا الضعف أية علاقة بالخصيتين وقد ينجم عن أمراض غدية، وعن أمراض المسالك البولية، إلا أنه يستجيب للمعالجة، على عكس العقم الأبدي .

وإليك لائحة بأهم مسببات العقم عند الرجل، وهي كما يلي :

أولا ـ التهاب الخصية

من الأسباب المباشرة لعقم الرجال التهاب الخصية، أي معمل المني، وكل ما يتفرغ عنها من مسالك، مثل الحويصلات المنوية، والبربخ، والأنابيب المنوية والبروستات ، أما الأمراض التي تصيب هذه الأعضاء فهي في غالبيتها أمراض سارية ومعدية، أي تنتقل بالعدوى مثل التيفوئيد واليرقان ( الصفيراء ) والأنفلونزا الحادة، وكذلك الأمراض التناسلية الزهرية مثل التعقيبة ( السيلان ) ( Gonorrhea ) والسفلس ( Syphilis ) وهي تسبب العقم بنسبة تتراوح بين 20 و 30 في المئة .

في مثل هذه الحالات، تنتقل الجراثيم المسببة لهذه الأمراض إلى الخصيتين والأنابيب المنوية التي تتوالد فيها النطف المنوية الناضجة والمسالك التناسلية الأخرى، عبر الدم، فتعشش فيها وتسبب تلفا وضمورا في أنسجة الخصية فيحدث فيها نشاف وتصلب، كما ينتقل الالتهاب إلى البرخ ـ أي رأس الخصية ـ فيتصلب هو الآخر ويحدث فيه نشاف أيضا فينسد . والبربخ ـ كما نعرف ـ يشكل مخزنا للمني حيث تتجمع أكثرية المني استعدادا للانطلاق إلى الحويصلات المنوية عبر حبل المني الشهير الذي يصل الخصية بالحويصلات .

واللافت للنظر أن الالتهاب يصيب، عادة، الخصيتين معا، وإن بدا في الظاهر أن الالتهاب محصور في حدود خصية واحدة . وقد أفاد العالم الشهير " نيكيلسون " أن إصابة الخصية، وكل المشاكل التناسلية، لا تحدث بالضرورة من جراء انتقال الجراثيم، المذكورة أعلاه، عبر الدم فقط، وإنما أيضا بالسموم التي تفرزها في الجسم إذا ما بقين مدة طويلة في الدم .

كما لاحظ أيضا أن 64 % من المرضى الذين أصيبت عندهم خصية واحدة فقط في بداية المرض، ما لبثوا أن أصيبت خصيتهم الأخرى بعد مرور مدة معينة من الزمن .

ثانيا ـ مرض النكاف

أشد الأمراض خطرا مكن القول إن مرض النكاف ـ أو ما يسمى ( أبو كعب ) ـ هو أشد الأمراض السارية خطرا على خصية الرجل والمسبب الأول للعقم . وتكمن خطورة هذا المرض في أنه يحدث تلفا في صميم الأنابيب المنوية داخل الخصية دون أن تظهر له أية علامات ظاهرة أو فارقة بحيث تصاب الخصية دون أن يدري المريض بذلك . ويستدل من التجارب التي أجراها كل من " دوفر " و" هايك " أن حوالي 20 % من الذين أصيبوا بمرض النكاف في طفولتهم هم عقيمون، لذلك فإنه عند " استنطاق " المريض يجب التركيز بصورة أساسية على معرفة ما إذا كان المريض قد أصيب في طفولته بمرض النكاف وتعقيداته .

مسبب النكاف فيروس يصيب الغدد الأذنية عند الأطفال بشكل خاص ما بين الخامسة والخامسة عشرة من العمر، فترتفع حرارة الجسد إلى 39 ـ 40 درجة مئوية وتنتفخ الغدد خلف الأذنين وتتصلب فيصبح شكل الوجه دائريا كما يشكو المريض من شعور بالقيء وأوجاع حادة في الرأس وأرق وهبوط في قوة الجسد، أي بضعف عام . بعد أسبوع أو عشرة أيام من الإصابة بهذا المرض وبدون أية معالجة ( إذ لا علاج لهذا الفيروس ) تتحسن حالة الطفل المريض وتخف الالتهابات ويرجع شكل وجهه إلى سابق عهده .

إنما في 20 % من الحالات يعم المرض ليصيب الخصية بعد خمسة أيام أو ستة من بداية المرض، فترتفع حرارة الجسد مجددا إلى حدود 41 درجة، وتنتفخ خصية الطفل ويكبر حجمها 3 أو 4 مرات عن الحجم العادي وتتصلب، وتكون عادة موجعة جدا عند لمسها أو تحريكها . فقط في مثل هذه الحالة ينشأ وضع جديد عند الطفل المريض وهو إمكانية إصابته بعقم أبدي في المستقبل .

لذلك، فإنه عند ظهور مثل هذه العوارض، يجب على الأهل إعلام الطبيب بذلك، ويجب كذلك وضع الطفل المريض في السرير لمدة أسبوع وتأمين النظافة الذاتية له وتهوئة الغرفة وتعقيمها ومسحها يوميا بالمطهرات وعدم السماح لبقية الأطفال الأصحاء بالاختلاط بالطفل المريض . كما يجب إعطاء الطفل محلول البرمنجانات أو حمض بوريك بمعدل ملعقة صغيرة في كوب ماء للغرغرة، 3 مرات يوميا لتنظيف الفم من الجراثيم التي تسبب التهاب الغدة الأذنية .

أما غذاء الأطفال فيجب أن يكون في غالبيته من السوائل الفاترة او الباردة ( عصير الفواكه، اللبن، الأرز بالحليب، بطاطس بوريه، لحم مهروس . . . ) ومن الضروري الحرص على ألا يتعرض الطفل للبرد لأن ذلك يساعد على إصابة الخصية . لذلك أشدد على وجوب وضع الطفل في فراشه لفترة لا تقل عن أسبوع .

وأهم إجراء وقائي ضد هذا المرض هو عدم السماح للأطفال الأصحاء بمخالطة المرضى منهم، وتلقيح الطفل، في السنة الثانية من عمره، بلقاح خاص ضد هذا الفيروس . ويجب على كل أم أن تدرك أن عوارض المرض تظهر عادة في اليوم العاشر من العدوى .

وكمثال على أهمية الإجراءات الوقائية يمكنني أن أذكر لقرائي الكرام الحادثة الأهم التي شاهدتها في حياتي الطبية، وهي إصابة أربعة شبان من عائلة واحدة بالعقم بسبب مرضهم في صغرهم بمرض النكاف ولم يتخذ الأهل أي حيطة ضد هذا المرض في ذلك الزمان، فتركوا مصير أبنائهم في عهدة الطبيعة والقضاء والقدر .

ثالثا ـ خلل في هرمونات الرجل

إن النقص الهرموني عند الرجل، كعامل لعدم الإخصاب، هو الأكثر ندرة من النقص الهرموني عند المرأة، إذ نجد أن حوالي 5 % فقط من الرجال يشكون من هذه المشكلة كمسبب لعدم إخصابهم .

في أغلب الأحيان لا تظهر الاضطرابات في التوازن الهرموني عند الرجل إلا بعد تحليل للمني . وتتطلب القدرة الإنجابية الكاملة أن يكون العدد المنوي من 40 مليون إلى 120 مليون في السنتيمتر المكعب الواحد، على أن يكون 60 % إلى 90 % منها قابلا للتحرك، وعلى الأقل من 70 % إلى 90 % منها مكونا تكوينا طبيعيا .

أما إذا أظهر التحليل المنوي عيوبا فيجب التأكد ما إذا كان ذلك يعود إلى خلل في المنسل ( Gonads ) أو في الخصيتين ( Testicules ) أو أنه يعود إلى اضطرابات هرمونية . ولعلاج هذه الحالة، غالبا ما يستخدم هرمون الغدة النخامية .

أما إذا كانت الغدة الدرقية هي المسؤولة عن الخلل فتعطي الهرمونات والعقاقير الملائمة لذلك .

الاضطرابات الهرمونية الناتج عنها عدم الإخصاب عند الرجل صعبة التقويم، وتعتمد درجة نجاح معالجتها على مدى تطور الحالة المرضية أو تقدمها .

رابعا ـ قلة إنتاج المني

تعود قلة إنتاج المني إلى ما دون العشرين مليونا من النطف المنوية في القذف الواحد لعوامل عدة بعضها مكتسب مثل بعض أمراض الطفولة كالنكاف، والعدوى الجرثومية في المنطقة التناسلية، والإسراف في التدخين وتعاطي المشروبات الكحولية وهي عوامل تؤذي المنسل ( Gonads ) في الخصيتين ( Testicules ) والمجاري التناسلية، وبعضها الآخر من الممكن أن يكون ضررا خلقيا بأعضاء الرجل التناسلية .

في كلا الحالتين يقل إنتاج الخلايا المنوية القادرة على التلقيح أو يكاد ينعدم .

وفي غالب الأحيان يتأثر عمل البربخ ( Epididymus ) حيث تنضج الخلايا المنوية وكذلك وظيفة غدة البروستاتا . ويمكن القول إن حوالي 50 إلى 60 % من حالات ضعف الإخصاب عند الرجل تعود إلى نقص في الإنتاج المنوي .

وللمعالجة، بإمكان الأطباء إثارة إنتاج الخلايا المنوية بواسطة الهرمونات وبعض العقاقير والفيتامينات، غير أن هذا العلاج طويل لأن نضوج الخلايا المنوية يستغرق ثلاثة أشهر .

لقد اكتشفت حديثا عقاقير مضادة للالتهابات الحادة والمزمنة في المجاري التناسلية تجعل فرص النجاح أكثر احتمالا، ووجد، بعد العلاج، أن حوالي 30 % من الذين اجتازوا التجربة كلها، أصبحوا قادرين على الإنجاب . كما أنه غالبا ما ينصح باستخدام الإخصاب الاصطناعي في حال عدم نجاح العقاقير .

خامسا ـ تضخم الأوردة أو الفاريس في الخصيتين

واحد من كل ثلاثة رجال غير مخصبين يعاني من تضخم الأوردة ( Varicose veins ) في الخصيتين وغالبا ما يكون ذلك في الجهة اليسرى منها، إلا أنه لم يتضح حتى يومنا هذا أي جواب على تساؤلنا : لماذا يؤدي هذا التضخم إلى عدم الإخصاب ؟ من المحتمل أن الزيادة في كمية الدم الجارية في الأوردة المتضخمة ترفع درجة الحرارة في الخصيتين التي تؤثر في عملية نضوج الخلايا المنوية .

كما أنه من المرجح أيضا أن كمية المواد السامة ( Toxic substances ) في الدم تزداد مع ازدياد تدفقه إلى المنسل . على أية حال، فالمؤكد أن تضخم الأوردة في المنسل يؤدي إلى قلة عدد الخلايا المنوية الناضجة، كما أن قابلية تحركها تتضاءل .

إن طريق الشفاء الوحيد لتضخم الأوردة في الأعضاء التناسلية عند الرجل هو إجراء عملية جراحية تستأصل خلالها الأوعية الدموية المتضخمة ويفضل أن تجرى العملية في مرحلة مبكرة من المرض، كما أن العلاج بالجراحة يساعد في 75 % من هذه الحالات فيزداد عدد الخلايا المنوية القادرة على التلقيح ويسترجع حوالي نصف الرجال المتأثرين بهذا المرض قدرتهم على الإخصاب .

سادسا ـ انسداد المجاري المنوية عند الرجل

قد تنسد المجاري المنوية عند الرجل لأسباب مرضية، كالعدوى الجرثومية أو لأسباب خلقية .

إن واحدا من كل عشرين رجلا غير مخصبين يعاني من هذه المشكلة العضوية، والعلاج الناجع لانسداد المجاري المنوية عند الرجل هو الجراحة المجهرية حيث يستأصل الجزء المسدود من المجرى ويوصل الجزء المفتوح ببعضه ولا تعدو نسبة نجاح هذه العمليات الجراحية المجهرية، اليوم الـ 50 % .

  • Currently 247/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
83 تصويتات / 2600 مشاهدة
نشرت فى 27 فبراير 2008 بواسطة byotna

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

21,169,885

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك