أن هذا العنوان يخيف العديد من الناس، وتختلف ردود أفعالهم باختلاف شخصياتهم. فمنهم الذي يعبر عن الاستياء الشديد لسماع حدوثه، ومنهم من يتجاهل حدوثه. أو منهم من يراه جزءاً من تكوين البشرية، وأن لكل مخلوق حظاً في هذا العالم، وعليه أن يرضى بنصيبه.

وكلمة اضطهاد مشتقة من الفعل ضَهَدَ. وضهده تعني قهره وجار عليه. والملاحظ أننا نرفض استخدام هذه الكلمة في مواقعها الصحيحة، ونضع معانيها تحت إطارات لغوية أخرى، فنقول: "إن الضرب وسيلة للضبط". أو نقول: " استخدام الألفاظ القاسية مع الأطفال، جزء من النظام الاجتماعي" وما إلى ذلك من التبريرات المختلفة . وكل ذلك خوفاً وهروباً من تلك الكلمة القاسية ، ترى، ما شعور ذلك الإنسان الذي يُمارس عليه الاضطهاد؟.

سنتناول في مقالنا هذا أنواع الاضطهاد، ودورنا كمربين في مساعدة الأطفال المضطهدين.

أولاً: الاضطهاد العاطفي والنفسي:

إن الالتصاق العاطفي للطفل بوالدته منذ الساعات الأولى لولادته، يظهر باعتماده الكلي عليها. ويتطور هذا الاعتماد الجسدي إلى تعلق عاطفي. ولهذه العلاقة أهمية كبيرة في حياة الطفل؛ حيث تساعده على تنمية الإحساس بالأمن، الذي يعتبر من الحاجات الأساسية للنمو الإنساني.

وحتي يسير هذا النمو في الاتجاه الصحيح؛ فإن الطريقة المستخدمة لإيصال هذه العاطفة مهمة جداً. وأي خلل أو تعويق في هذه الطرق يسبب اضطهاداً عاطفياً، فكيف يحدث هذا الخلل ؟.

أ‌-    التهديد بسحب الحب:
يلجأ البعض من الأهل والمربين إلى استغلال التعلق العاطفي للطفل بهم، في محاولة التأثير عليه، وتوجيه سلوكه. فيكررون عبارات: "أنا زعلانة منك لأنك قمت بكذا وكذا". أو " أبوك سيسافر ويتركك لأنك قمت بكذا وكذا. أو " أنا لا أحبك وأحب فلاناً لأنه قام بكذا ". وهكذا تتوالى هذه الجمل في محاول التأثير علي الطفل من أجل ضبط سلوكه . ولكن للأسف فإن هذا النوع من الضوابط، وإن بدأ فعالاً في سرعة استجابة الطفل، إلا أن فاعليته تزول سريعاً . وما يتبقى في ذاكرة الطفل هو هذه الكلمات التي تؤثر- سلبياً – في ثقة الطفل في عواطف مربيه تجاهه. فالطفل لا يستطيع دائماً أن يضبط سلوكه بسهولة، وتكون الرسالة الوحيدة التي تصله أنه فقد الحب؛ والطفل لا يستطع القيام بما طلب منه. والطفل لا يستطيع أن يدرك أن ذلك التهديد وقتي، وأن أمة لا تعني ما تقول؛ ذلك  أن الطفل في المراحل العمرية الأولي، لا يدرك غير المحسوسات من المعارف، وبذلك يتعرض الطفل للاضطهاد؛ بتهديده بالحرمان من الحب وهى حاجة أساسية للنمو الصحي للطفل.

ب‌-    الحب المقرون:
يتحدد عمق العلاقات الإنسانية بين البشر تبعاً لنوع العلاقة السائدة. وتختلف توقعات الإنسان من العلاقة حسب نوعها. أما الطفل، فتنقصه القدرة على إدراك عمق هذه العلاقات. ولذا فإنه يحتاج إلى أن يشعر بحب من حوله ممن يقومون برعاتيه في جميع الظروف والأحوال.

ويتكرر الاضطهاد العاطفي الذي يتعرض له الأطفال؛ نتيجة استخدام أساليب توجيه وكلمات قاسية مشحونة بنوبات غاضبة توجه إلى الطفل رسالة: " إنك غير محبوب ووجودك يسبب إزعاجاً لنا" والطفل يشعر بذلك من نبرات الصوت الغاضب، أو من تعابير الوجه الصارمة، مثل أن تقول الأم لطفلها: "لا يمكنك تناول الحلوى" . وعندما يبكي، تبدأ بالتوبيخ واللوم ويرتفع صوتها بالتهديد. والطفل في هذا الموقف، حرم من شيء يحبه؛ لذلك يحتاج إلى مساعدة للتكيف مع النظام الجديد. وبدل أن نشرح له السبب ونتقبل  مشاعره " أنا أعرف أنك تحب الحلوى، ولكن لا يمكن أن أسمح لك بتناول الكثير منها لأنها تؤذي أسنانك" . نصب عليه نوبات الغضب، ونستخدم كلمات قاسية تشعر الطفل بعدم الحب والقبول، ونحن بهذا الأسلوب قرنا حبنا للطفل بسلوكه. وحقيقة الأمر، إننا – حتى نحن الكبار – نحتاج إلى الشعور بحب من حولنا في كل المواقف، وليس- فقط- في لحظات الفرح والوئام. فنحن الكبار نهنئ أهلنا وأصحابنا بالعيد والمناسبات السعيدة، ونعزيهم في المآسي ونساندهم في الأزمات. وأطفالنا- بطبيعة الحال- يحتاجون إلى تلك المشاعر من الحب والمساندة في جميع المواقف وليس فقط عندما يروق لنا سلوكهم، وهذا لايعني – بأية حالة من الأحوال –تعزيز السلوك غير المرغوب. ولكنه يعني مساندة الطفل ومساعدته على التخلص منه بـأسلوب حازم وحنون؛ حتي لا يتعاظم شعوره بعدم حب الآخرين له، كلما صدر منه سلوك خاطئ. وشعور الطفل بالنبذ، يسهم في تهديد مشاعر الأمن والثقة بالنفس وبالآخرين.

ج- الإهمال العاطفي:

 يحدث هذا النوع من الاضطهاد؛ لعدم توافر العاطفة اللازمة والكافية للطفل، في السنوات الأولى من عمره. وقد لايظهر أثر هذا الحرمان العاطفي واضحاً، على المدى القريب، مثل ما يحدث عند حرمانه من الغذاء أو العناية الصحية. ذلك أن آثاره تظهر في المراحل اللاحقة من نمو شخصيته.

وبغض النظر عن سرعة ظهور تأثير هذا الحرمان، إلا أنه يعتبر مظهراً مهماً من مظاهر الاضطهاد. وتجدر الإشارة إلى أن جميع الآباء والأمهات ، لا يعانون من نقص الحب والعاطفة تجاه أطفالهم . ولكن الخطأ الذي يقعون فيه، هو عدم الاهتمام، أو ربما عدم المعرفة بكيفية إيصال هذا الحب. فالطفل لا يشعر بحب والده عندما يؤاه متعباً عند عودته إلى المنزل، أو عند جلوسه صامتاً امام التليفزيون، وهو لا يدرك أن أباه يشقى في العمل لأجله، ويحتاج إلى الراحة. والحب لا يصل إلى الطفل عندما تمضي الأم الوقت في المنزل مشغولة بأعمالها المختلفة، أو في الحديث بالهاتف. فالطفل يحتاج إلى الشعور بالحب، بطريقة حسية؛ مثل قضاء بعض الوقت الممتع معه، ولو لساعة واحدة في اليوم ، في نشاط خاص به كالقراءة له أو اللعب معه أو التحدث إليه، أو الخروج في نزهة خاصة به أو تزجية معظم وقته في تواصل مع الأهل .

د- التخمة العاطفية ( التدليل ):
تختلف الطريقة التي يقدم بها الآباء الحب لأبنائهم . فإذا اعتبرنا أن إهمال التعبير عن الحب اضطهاد، فالتخمة العاطفية المتمثلة في الحماية الزائدة، تعتبر اضطهاداً أيضاً: لأنها لا تترك للطفل مجالاً للنمو الطبيعي . وكثيراً ما نرى صوراً من هذا الاضطهاد متمثلة في الأم التي تخاف على طفلها من التعرض لإيذاء الآخرين؛ فتحرمه من الاختلاط بهم؛ والمربية التي تلاحق الطفل، وتمنعه من المشي والجري وإكتشاف الأشياء .وتكون نتيجة هذه الحماية المفرطة، أطفالاً اعتماديين، يحتاجون إلى من يطعمهم ويلبسهم ويدافع عن حقوقهم . بل نجد بعض هؤلاء الأطفال غير قادر علي التعبير عن رأيه؛ لأنه لم تسنح له الفرصة لذلك، فالأم الحامية تسرع إلي تلبية طلب أبنها بمجرد بكائه، ولا تدربه على مهارات التواصل الاجتماعي والتعبير عن الذات . وهكذا نجد أن التخمة العاطفية عبارة عن اضطهاد يعاني منه الطفل في السنوات اللاحقة؛ لأنها خلقت منه إنساناً لا حول ولا قوة له، لحرمانه من المرور بتجارب الحياة من إحباط وانتظار وتحمل، كما أن هذه التربية تحرم الطفل من تعلم المشاركة، وبناء الثقة بالنفس، والشعور بالاستقلال.

ثانياً: الاضطهاد الجسدي:

من المؤسف والخطير أن نسمع بين حين وآخر "من المربين"، من يدعو – علانية – إلى مناقشة استخدام الضرب كوسيلة للضبط سواء كان ذلك في البيت أو المدرسة . والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل وصل اليأس والضعف بالإنسان، لاتخاذ أقصر وأسهل الطرق، مهما كانت مؤلمة ومهينة لإنسانية الطفل؟. وهل يعطينا ضعف الطفل الحق في أن نستخدم سلطتنا الجسدية عليه، ونستخدم مانهوى من أساليب للتحكم فيه؟. وهنا نود أن نؤكد أنه مهما حاول البعض أن يجيز أسلوب الضرب بتقويم نتائجه، فإن قياسهم ينحصر بالنتائج الآنية والظاهرة، دون الاهتمام بتفحص نتائجها البعيدة المدى؛ فقد يتوقف السلوك الخاطئ بعد العنف مباشر، ولكن هذه النتيجة لا تستمر علي المدى البعيد.

وتجدر الإشارة إلى أن معظم الدراسات التي بحثت في استخدام العنف كوسيلة للضبط، توصلت إلى أن العنف لا يولد إلا العنف. وقد يخاف الطفل وينصاع لما يطلب منه، في تلك اللحظة؛ إلا أنه سرعان ما ينسى السبب الذي ضرب من أجله .

وما يتبقي هو أثر الضرب علي نفسيته ومشاعره. إن الاضطهاد الجسدي لا يقتصر علي الضرب أو العقاب الجسدي، مثل الحبس |أو الربط أو غيرهما، مما ترفضه النفس الإنسانية، ويسبب ألماً للطفل، قهراً له؛ بل يتسع مجاله ليشمل العديد من الممارسات التي يقوم بها الكبار تجاه الطفل للتعبير عن الغضب، أو عن الضغط الذي يتعرضون له. ومن أمثلة ذلك: جذب الطفل بعنف أثناء المشي من يده ؛ إطعامه بالشدة والقسر؛ حضن الطفل بشدة، ولو كان ذلك بحجة الحب. ويتوالي اضطهاد الطفل الجسدي عن طريق إلباسه ملابس خانقة، وغير عملية، لأنها جميلة أو إلباسه ملابس ثقيلة – نحن أنفسنا – لا نستطيع تحملها، بحجة حمايته من البرد. وفي الوقت نفسه لا نبالي نحن الأهل بإلزام الطفل حزام الأمان ونهمل مراقبته عند تواجده بالقرب من الأماكن الخطرة . هذا القسر أو الإهمال يسبب للطفل أذى جسدياً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .

ثالثا: الاضطهاد الجنسي:

يتعرض الأطفال بحكم ضعفهم الجسدي والمعنوي لمواقف مختلفة داخل الأسرة أو خارجها. وتسبب هذه المواقف لهم الكثير من الألم الجسدي أو المعنوي. والمؤلم في الاضطهاد الجنسي، الذي يتعرض له بعض الأطفال، أن السلوك يحدث في السر؛ فيشعر الطفل بمسؤوليته تجاه الخطأ . وكثيراً ما يتعرض الطفل للتخويف؛ حتى لا يفشي هذا السر. ويصعب على العديد من الأطفال، الإفصاح أو البوح بذلك الاضطهاد؛ نتيجة أساليب التربية التي لم تعط الطفل الفرصة، لتنمية القدرة على التعبير والإفصاح عن المشاعر المختلفة. والطفل لشعوره بعدم الأمن والثقة بمن حوله، يخاف ويتردد في الإفصاح عما يتعرض له من أذي. يضاف إلى ذلك عدم وعي المربين بأساليب الملاحظة والمتابعة الفطنة للطفل، والانشغال بتحقيق حاجات الطفل المادية من مأكل أو ملبس، وعدم الانتباه إلى معاناته النفسية. والطريقة التي يجب علينا اتباعها لحماية أطفالنا، هي متابعة الطفل، ومعرفة الأشخاص الذين يختلط بهم معرفة جيدة، وعدم تعريضه للغرباء. وأن نعطي الوقت الكافي لأنفسنا قبل أن نثق في أشخاص، لا نعرفهم جيداً.وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحديث الدائم مع الطفل والاستماع إلى مشاعره في المواقف المختلفة، سيجعلنا قريبين منه عند الحاجة، وسيلجأ إلينا لمساعدته عند تعرضه لمواقف اضطهاد، حتى وإن اتسمت بالسرية. كما أن تعريف الطفل بطرق غير مباشر بضروب الاضطهاد، أمر مهم جداً في توعيته، فلا يشعر بالخوف أو بالخجل. ويمكننا أن نستخدم جملاً بسيطة لتوضيح ذلك؛ مستعينين ببعض الصور التوضيحية. ومن المهم ألا توضع هذه التوعية في قالب تحذيري مخيف، يشعر الطفل بالذنب وبالخوف في حال تعرضه لها. ويمكننا- على سبيل المثال- أن نقول للطفل: (( هذه المنطقة من الجسم خاصة، لايراها أحد، غير الأم والمربية . ولو حاول أحد غريب أن يراها أو يلمسها، نقول له : لا... وتخبرني بذلك)) . وأن نتفادى – قدر المستطاع- استخدام كلمات تشعر الطفل بالذنب ، مثل :" عيب ... حرام ... الخ ".

المصدر:

  • مجلة خطوة العدد السابع يونيو 1999
  • د: سهام الصويغ موضي القيبط

المراجع :

  • Young Children, March 1997
  • Healing the Child .Within
  • Charles White Field M.D

 

  • Currently 370/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
125 تصويتات / 4720 مشاهدة
نشرت فى 22 إبريل 2009 بواسطة byotna

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

21,174,349

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك