تلعب الأسرة الدور الرئيسي في مجال التنشئة الاجتماعية وفي تشكيل اتجاهات الطفل وتحديد ملامح شخصيته وعلاقته بالمجتمع الخارجي، فالطفل كائن اجتماعي ينتمي إلى مجموعة من الجماعات، وأولى وأهم هذه الجماعات هي الأسرة التي تمنحه المكانة الاجتماعية التي ينتمي إليها، ويمثل الكبار في الأسرة القدوة للطفل في أساليب التعامل أو التفكير أو التعليم ، كما يتأثر الطفل بتعامله مع الكبار ممن يحيطون به وأولهم الوالدان ، فعادة ما يسلك الطفل الذكر سلوك أبيه وتصبح سلوكيات الأب واتجاهاته وأفعاله وعاداته مثلا أعلى يحتذي به بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والأسرة بوجه عام هي الوحدة الأساسية في المجتمع، وهي تكيف وظائفها ( التنشئة الاجتماعية التنشئة الدينية التربية الأخلاقية والعادات والتقاليد .. الخ)، بما يتلاءم وظروف ونظم المجتمع الخارجي .( النظام الاقتصادي، التعليمي، الصحي ... الخ ) ويؤدي هذا التكيف إلى الحد من التناقضات بين مصالح الأسرة الخاصة وظروف المجتمع كذلك فتتخذ الأسرة قرارات تتلاءم الظروف المحيطة بها، ومن هذه القرارات، القرار الخاص بعمل الأبناء ؛ خاصة الأطفال منهم.
ومن هنا نجد أن عمالة الطفل ودرجة انتشارها تتأثران بعديد من العوامل الأسرية، الأمر الذي يدعو لتعرف نمط حياة الأسرة فقد :
1- أظهر البحث ارتفاع متوسط حجم أسر الأطفال العاملين، حيث بلغ 6.74 فردا، وقد بلغت نسبة الأسر التي يتراوح عدد أفرادها ما بين 8.7 أفراد (34.5%) وبلغت نسبة الأسر التي يتراوح عدد أفرادها ما بين 6.5 أفراد (3.5 %) أما الأسر التي يزيد عدد أفرادها عن ثمانية أفراد فقد بلغت نسبتها (31% ) من إجمالي الأسر موضع الدراسة .
ويرجع ارتفاع متوسط عدد أفراد الأسرة إلى كثرة الإنجاب ؛ حيث بلغ متوسط عدد الأبناء في تلك الأسر 56 ابناً وابنة ، وبلغت نسبة الأسر التي لديها ابن يتراوح عددهم بين 8.5 ابنا (70%) ، ويلاحظ في هذا الصدد أن ميل هذه الأسر للعدد الأكبر من الأبناء له ما يبرره في ظل ظروفهم المعيشية ، فالابن – كما سنرى- يزيد من دخل الأسرة ، كما أنه يمثل الأمن والأمل في مرحلة الشيخوخة عندما يعجز الأب عن الكسب.
2- أما بالنسبة للسكن وما يتوفر فيه من مرافق وتجهيزات ، فقد دلت نتائج الدراسة الميدانية على أن الغالبية بنسبة (75%) لديهم مياه جارية في المسكن ونسبة (59%) لديهم مجار ، ونسبة (79%) لديهم دورة مياه ، و (19.5%) من هؤلاء يشاركون الغير في دورة المياه ، وقد أبدت نتائج دراسة الحالة هذه النسب بوضوح. ورغم أن النسب المذكورة تتعدى الخمسين في المائة من الأسر التي لديها مرافق، إلا أن هذه النسب تعتبر غير مرضية ، حيث إن المرافق تعتبر من أهم مكونات السكن ، وذلك لتأثير هذه المرافق في مستوى النظافة والصحة، وتبين أن نسباً مرتفعة من جهاز تليفزيون (81.5%) وراديو (81.5%) وغسالة (73%) وثلاجة (64.5%) وبوتاجاز (69.5%) ومسجلا (67.5%) ومروحة (57.5) وخلاطا (44.5%).
3- وتجدر هنا مناقشة بعض الآراء التي تزعم أن عمالة الأطفال ترتبط بتفكك الأسرة ، أو بتصدعها ، وقد أظهر البحث عكس هذا القول فتبين أن غالبية الأطفال يعيشون في أسر متكاملة من أب وأم وإخوة ، وتبلغ نسبتهم (78.5) وأن (18.5%) من الأطفال يعيشون مع الأم فقط (3.5%) يعيشون مع الأب فقط بعد وفاة الأم . وتوجد حالة واحدة فقط لأبناء يعيشون بمفردهم بعد انفصال الوالدين . وفيما عدا هذه الحالة فإن حياة كل أسر كعينة. طبيعية تتسم بالترابط والتماسك ، فإن الأب يعمل ، ومعه ابن أو أكثر خارج المنزل ، وتقوم الأم بواجباتها المنزلية. ويلتقي الجميع في المساء على مائدة العشاء ثم يستكملون اليوم أمام التليفزيون حتى موعد النوم. وفي الغالب تزداد مسئوليات الأم في هذا النمط الأسرى العمالي لبقاء الأب والإخوة الكبار خارج المنزل طوال اليوم، فتصبح هي المسئولة عن تربية الأولاد الصغار، وتوجيههم ، وتلبية الاحتياجات المختلفة للأسرة كاملة ، سواء من خارج أو داخل المنزل وقد صادف البحث حالتين : الأطفال يعيشون في أسر توفي عائلها، وتقوم الأم والإخوة الكبار والطفل بالعمل من أجل الحصول على الدخل الكافي للأسرة ، وأطفال يعيشون في أسر رغم عدم وجود الأب بها، إلا أن العلاقات بين أفراد الأسرة تتميز بالتوافق، والتعاطف وفي حالة أخرى توفيت الأم ولم يتزوج الأب ليقوم بتربية الأبناء ورعايتهم ، وتوجد علاقة صداقة بينه وبين الأبناء جميعا، وقد دلت النتائج على أن طفلين فقط من أفراد العينة يشوب علاقتهما بأفراد الأسرة بعض التوتر.
ونستخلص مما تقدم ، أن الطفل العامل يعيش في أغلب الأحيان داخل أسرة متكاملة (أب – أم – إخوة ) تسود بين أفرادها علاقات طبيعية وسوية ، ويشعر خلالها الطفل بالرضاء . ولم يتبين من البحث فساد رب الأسرة أو انحرافه أو تعطله، بل كان جميع الآباء من العاملين في الصناعة أو الزراعة أو الخدمات.
4- ويذهب اتجاه إلى أن الأسرة تقسو على الأطفال، وتستغلهم ، وتسيء معاملتهم، وقد أثبتت دراسات الحالة عكس هذا التصور إذ يوجد ترابط أسرى، يحيط الوالدان الطفل بالحنان والتقدير لما يبذله من جهد، وإسهام في ميزانية الأسرة . والطفل بدوره يحب والديه و يحترمهما، ويشعر الأطفال العاملون باهتمام الأم وشدة تعاطفها وذلك عن طريق استجابتها لمطالبهم ، وخاصة في المأكل والملبس ورعايتهم أثناء المرض، وتظهر هذه العلاقة أيضا في شكل العقاب الذي تفرضه الأم في حالة الخطر، إذ غالباً ما يبدأ بالنهر والتأنيب في حيالة الخطأ البسيط ، وينتهي الضرب الخفيف للخطأ الكبير، ( كالشجار مع الإخوة والجيران أو استخدام الألفاظ النابية) أما علاقة الابن بأبيه، فقد أثبتت الدراسة أن الأطفال يشعرون بالحب تجاه الأب، وإن كانوا لا يجدون الوقت الكافي لتدعيم هذه العلاقة، وذلك لانشغال الآباء والأبناء طوال اليوم، ويفرض الأب العلاقة، بأسلوب أشد من الأم في حالة الخطأ، إذ غالبا ما يلجأ للضرب حتى إذا كان بسيطاً.
كما بدت علاقة الطفل بإخوته في شكل سوي من خلال تفاعل الإخوة معاً أثناء اللعب، ولجوء الطفل إلى إخوته عند حدوث مشكلة. ولقد دلت النتائج إلى أن النسبة الكبرى (63.5%) من أطفال يلعبون باستمرار مع إخوتهم، ونسبة (31.5%) منهم يلجأ إلى إخوتهم لحل مشاكلهم، وقد أبدت هذه النتيجة أيضاً دراسة الحالة، إذ إن غالبية الأطفال ذكروا أنه توجد علاقة حب وتفاهم بينهم وبين إخوتهم، خاصة بين الإخوة المتقاربين في السن. أما الأخوة الكبار، فإنهم يعبرون عن عاطفتهم تجاه الطفل من خلال شراء الحلوى لهم، ومحاولة حل مشاكلهم، كما أظهرت النتائج أنه غالبا ما يلتقي الإخوة والآباء معا كل يوم على وجبة العشاء بنسبة (78%) وبعد ذلك أمام التليفزيون.
5- واتضح أن وجبة العشاء هي الوجبة الرئيسية للأسرة، وترجع أهمية وجبة العشاء إلى أن طبية عمل أفراد الأسرة تفرض عليهم البقاء خارج المنزل طوال اليوم، وحتى المساء، ويعتبر تجمع الأسرة أثناء وجبة العشاء من التقاليد التي تمي هذه الأسر العمالية. أما وجبة الغذاء فإن (45.5%) من الأطفال يتناولونها أثناء العمل مع الزملاء (3.5%) يتناولونه بمفردهم، (10%) فقط يأكلون مع صاحب العمل، ويشتري (58.5%) من أطفال طعام الغذاء أثناء العمل من الباعة، بينما يأخذ (36.5%) منهم الطعام معهم من المنزل إلى الورشة، ويأكل (14.5%) من الأطفال في الورشة علي حساب صاحب العمل. بينما يعود(7.5) فقط من الأطفال إلي المنزل لتناول وجبة الغذاء.
6- وتهتم أسر الأطفال العاملين بعلاجهم؛ إذ إن العدد الأكبر من الأطفال يذهب إلي الطبيب الخاص أو المستشفيات العامة للعلاج علي نفقة الأسرة الخاصة، وعادة ما تتوالي الأم مسئولية اصطحاب الطفل للطبيب والإشراف علي علاجه بالمنزل حتى تمام الشفاء.
7- ويعد إرضاء الطفل بما تقرره الأسرة من قرارات خاصة بمستقبله مؤشرا لمدي عمق العلاقة بينه وبين أفرادها؛ فبالنسبة لرضاء الطفل عن القيمة المادية التي يساعد بها أسرته، بلغت نسبة الأطفال الذين يشعرون بالرضاء تجاهها(90%) مع العلم بأن الغالبية العظمي من الأطفال، وتبلغ نسبتهم(71%) يعطون أجرهم بالكامل للأسرة، ثم يحصلون علي مصروف يومي يتفق مع إمكانيات الأسرة المادية، وهذه النتائج أن دلت علي شيء فإنما تدل علي أنه يوجد قدر لا بأس به من علاقات الترابط والتفاهم والتكيافل بين هذه الأسرة.
8- وقد دلت الدراسة الميدانية علي أن العدد الأكبر من الأسر لا يتعرض لمشاكل مزمنة، إذ بلغت نسبتهم (64%) مقابل (36%) يعانون من بعض المشاكل. أما عن أسباب المشاكل الرئيسية فقد دلت النتائج علي أكثر الموضوعات التي تثير المشاكل، هي المشاكل المالية؛ إذ تمثل(37%) وتليها المشاكل الناشئة عن شقاوة البناء وتمثل(33%) ولا تمثل المشكلات الأخرى نسبة يعتد بها إحصائيا. أما عن مشاركة الأبناء في حل هذه المشكلات فقد دلت النتائج علي الأطفال العاملين يساهمون في حل المشكلة الاقتصادية؛ إذ كانت نسبة من يشتركون في إنفاق الأسرة(95%).
9- وبالنسبة لقضاء الأجازات، فإن العدد الأكبر من الأطفال(73%) يمضون أجازاتهم الأسبوعية في اللعب مع الأصدقاء وخارج المنزل.
أما عن تمضية وقت الفراغ بعد عودة الطفل من العمل، فقد دلت النتائج علي أن أغلب الأطفال بنسبة(59.5) يقضونه مع أفراد الأسرة، ويقضي(40%) منها وقته في اللعب الأصدقاء.
وتسعى بعض الآراء للربط بين عمالة الأطفال وبعض الخصائص التي يقال إنها تميز أسرهم. فتزعم بعض الآراء أن عمالة الطفل تعتبر نتاجاً لبيئة أسرية متصدعة ، أو غير مواتية ، وتستمد هذه الآراء اتجاهات من نظريات قديمة في تفسير المشكلات الاجتماعية سادت الفكر الغربي في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وذهبت إلى نفى مسئولية المجتمع عن المشكلات الاجتماعية التي تعانيها بعض الفئات، وعلى وجه الخصوص الفقراء، وإلقاء المسئولية على من أسمتهم بالمنحرفين عن السلوك الاجتماعي المنشود، وفي اتجاه مشابه وإن اختلف بعض الشيء في التكيف، بلور ( أوسكار لويس ) نظريته في ثقافة الفقر ومفادها أن الفئات الدنيا تتميز بثقافة خاصة تتوارثها الأجيال، ويشتكل بها الطفل في سن مبكرة- قدرها لويس بحوالي ثماني سنوات – ويتعذر على الطفل بعدها الفكاك من خصائصها.
وتمثل الطبقة الاجتماعية للأسرة عاملا يؤثر في اتجاهات الأطفال نحو المدرسة . فآباء الطبقة العالية والمتوسط الذين نالوا قسطا من التعليم ينظرون للمدرسة كوسيلة للإعداد النفسي والاجتماعي والمهني، وعلى ذلك فإننا نجدهم غالبا، تكون اتجاهاتهم إيجابية عن المدرسة ويتابعون بشوق ما يفعله أولادهم في المدرسة،حيث يتناقشون معهم في أخذه أولادهم في المدرسة ، ويقيمون إيجابيا ما درس، ويكافئون أولادهم على إنجازاتهم العملية . وقد ينظر بعض بعض الآباء خاصة من الطبقة الكادحة للتعليم على إنه ليس شيئاً مهما ويكونون أقل ميلاً في مناقشة أولادهم في النشاطات المدرسية، وكذلك أقل تقييما لإنجازات أولادهم العلمية ؛ وعلى ذلك فإن أطفال الطبقات المنخفضة قد يكون لديهم ميل إيجابي أقل نحو المدرسة ويكونون أقل تأثيرا بالمدرسة عن أطفال الطبقة المتوسطة أو العالية ولذلك فإننا نجد أن المدرسة قد ينظر إليها كبيئة عدوانية خاصة في الطبقات المنخفضة أو الأحياء المختلفة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى اتجاهات الآباء في ذلك .
وقد أفصح بحث للسمات التي تتسم بها عينة فرعية من أسر الأطفال العاملين في الورش ( بلغ جمعها 90 أسرة )، عن صورة مغايرة تماما لما رسم أوسكار لويس، ولما يردده البعض عندنا للآن .
فعلى نقيض الرأي القائل بتصدع هذه الآسر، تظهر دراستنا حقائق عكسية، فتبين أن أسر عينة البحث من الأطفال العاملين، تتميز بدرجة عالية من التماسك، وهو ما تفصح عنه النتائج التالية:
1- إن تركيب الأسر يظهر أن الغالبية العظمى من هذه الأسر متكاملة ، بمعنى أنها تضم الوالدين وأبناءها (81.9%)، وقد تضم عضوا أخر مثل الجد أو الجدة أو العم ... الخ . وتلي هذه النسبة أسر تتكون من أم ترعى أبناءها (13.8%) أو أب وأولاده (3.9%) ، ولنا عودة لهذا الموضوع ، وبدراسة أحوال الأسر المكونة من أحد الوالدين والأبناء، يمكن رصد الأسباب التالية :
- وفاة الأب أو الأم :79 حالة ، وتبلغ نسبتها(14%) من إجمالي أسر المبحوثين .
- وفاة أحد الوالدين ، وزواج الآخر مع استبقاء المبحوث في كنفه : 11 حالة وتبلغ نسبتها (1.9%) والعينة الكلية .
- طلاق الوالدين ، وبقاء المبحوث مع أحدهما 7 حالات، وتبلغ نسبتها (1.2%) من العينة الكلية .
- ويضاف إلى فئة الأطفال التي تعيش مع أحد الوالدين، حالتان يعيشين فيهما الطفل مع أحد الأقارب ( مع العم بسبب طلاق الوالدين، ومع الجد بسبب وفاة الوالد وزواج الوالدة ) وتمثلان (35%) من العينة الكلية.
ويلاحظ مما تقدم أن تصدع الأسرة كان في الغالبية العظمى من الحالات بسبب وفاة أحد الوالدين. وقد بلغ مجموع حالات الطلاق مستوى العينة الكلية 8 حالات( مع بقاء الطفل مع أحد الوالدين أو العم ) وتمثل نسبة ضئيلة لا تزيد عن 1.4 من العينة .
2- ولم يتبين من البحث فساد رب الأسرة أو انحرافه ، كما أنسبة العاطلين منهم لم تتجاوز (3.4 %) من أرباب الأسر، أما النسبة الغالبية فتمثل الكادحين والمكافحين من أجل كسب قوت اليوم، ويعمل الغالبية في الصناعة أو الخدمات أو الزراعة.
فقد يؤدى عمل الأب أو بعض الإخوة أو كلهم بأعمال يدوية دون الحصول على مستوى تعليمي مناسب إلى تعمق فكرة العمل لدى الطفل على حساب تقلص فكرة التعليم بخاصة حينما يكون العامل الاقتصادي هو الأساس في منح المكانة الاجتماعية المرتفعة داخل الأسرة ويشكل الجو الانفعالي الذي يعيش فيه الأبناء في الأسرة عاملا ومؤثرا له قيمته وخطورته في تشكيل شخصية الطفل، وفي تأثيرة الكبير على أمنه النفسي ونموه السليم وإعداده إعداداً نفسياً يمكنه من الحياة الآمنة المستقرة فيما بعد ، إذ إن للظروف الانفعالية التي يعيش فيها الطفل داخل أسرته والتي تنتج من دينامية العلاقات الموجود بين أفراد هذه الأسرة، ونوعها وطبيعتها ومدى التأثيرات الخارجية التي تؤثر في الأسرة بدرجة كبيرة أو صغيرة قيمتها وخطورتها في تشكيل وتحديد نوع العلاقات العاطفية والانفعالية، التي يعيش فيها أبناء هذه الأسرة ومدى تضحيتهم ونموهم الانفعالي.
فالطفل الذي يعيش في جو سليم متوازن يجد فيه إشباعاً لحاجاته الانفعالية والعطافية، واستقرار نفسياً ييسر له حياته ويسبغ عليها جواً من الأمن والطمأنينة بدفعه هذا كلية إلى التمسك بأسرته وبهذه لحياة ما دام يشبع فيها حاجاته وتستقر فيها انفعالاته ، أما الطفل الذي يعيش في جو انفعالي مضطرب سيء لا يجد فيه الاستقرار النفسي السليم الذي ييسر له حياته ويجعله دائم القلق والاضطراب يدفعه ذلك كله إلى الضيق بهذه الحياة ومحاولة الفرار منها إلى مكان آخر عله يجد فيه متنفساً عن ذلك ذلك الألم الذي يعانيه والقلق الذي يسيطر على شخصيته ويوجهها بدرجيه كبيرة .
وعادة ما نجد الأطفال الذين ينمون في ظروف انفعالية طيبة تتأثر شخصياتهم بهذه الظروف ، فيشبون ولديهم توازن انفعالي طيب ،وأصحاء نفسيا، ولديهم القدرة على ضبط انفعالاتهم وعواطفهم ، وأشد تمسكا بأسرهم وبالحياة فيها. أما أولئك الذين يعيشون في جو انفعالي مضطرب فتتشكل شخصياتهم بهذه الظروف وينتج عن ذلك كما يشير (Crow & Crow ) تكوين شخصيات قلقة مضطربة انفعاليا لا تستقر ، ولا تستقيم لها ، شخصية عاجزة عن ضبط انفعالاتها أو التحكم فيها، وغير قادرة على تحمل الآخرين أو التعامل معهم.
ولذلك يقال بأن المنزل الهادئ السليم هو ذلك المنزل الذي يوجد فيه توازن انفعالي طيب، حيث يكون الوالدان موجودين وعلى قدرة من أن يتكيفا تكيفا نفسياً سليما، كل منهما الآخر وكلاهما مع الطفل من ناحية أخرى .
وقد كان لعلم النفس الفضل الأكبر في إبراز الدور المهم الذي تلعبه العلاقات العاطفية والانفعالية في نمو الشخصية الإنسانية وأثرها فيما يتعرض له الفرد من اضطرا بات نفسية وعقلية وسلوكية، فقد اهتم كثير من العلماء بدراسة مدى العلاقة بين الأساليب السلوكية المضطربة والناحية الانفعالية، ويعتبر (( أيكهورن)) أول من أفاض في بيان أهمية العلاقة بين اضطراب النمو الانفعالي فيما أسماه بالإجرام المستكن أو الكامن . كذلك أثبت العالمان (( هيلي وبرونز )) في دراستهما التي قاما بها على 133 عائلة تناولت 574 فردا ما بين جانح وسوي، ومن هؤلاء (105) من الجانحين قورن كل جانح منهم بأخ له غير جانح، وكان في ثماني حالات منها أخوان توأمان وأسفرت الدراسة عن وجود حالة اضطراب في النمو الانفعالي في (91%) من حالات المجموعة التجريبية الجانحة ، بينما لم تزد حالات اضطراب النمو الانفعالي في المجموعة الضابطة عن (13%) ،وإن كان العالمان لا ينكران أثر العوامل البيئية الخارجية عن الأسرة في هذا الاضطراب الانفعالي، كالصحبة السيئة . والحي الردى ، إلا أنهما يريان أن هناك عاملا أكثر قوة وأكثر أصالة وأهمية وهو اضطراب النمو الانفعالي الذي يحتجز وراءه قوة حبيسة ما أن تطرقها عوامل أخري ، حتى تنطلق منها إلى تيار الجريمة، بل إنه كلما كان الاضطراب الانفعالي الذي يعانيه الطفل أشد وأكثر كانت الإثارة المتطلبة لحدوث الجريمة أقل .
ومن أهم العوامل التي تؤدى إلى اضطراب الجو الانفعالي في المنزل وعجزه عن تهيئة النمو الانفعالي السليم للطفل ما يلي :
اضطراب العلاقة بين الوالدين، فمن المعروف أن العلاقات الإنسانية الطيبة بين الوالدين من أهم العوامل التي تؤثر في نمو الطفل انفعالياً ونفسياً، كذلك فإن مقدار حسن العلاقات بينهما يؤثر تأثيراً كبيراُ على الجو السائد في محيط الأسرة، بل يشكل مدى استقرار هذا السلوك درجة خطيرة ومهمة من استقرار ونمو الصحة النفسية للأبناء، ولذلك فكثيراً ما يكون في الخلاف الناشب بين الوالدين خطر كبير على حياة الصغير وأمنه النفسي، إذ إن الشجار الدائم والخلاف المستمر، يؤدى إلى اضطراب الأمن والهدوء النفسي في المنزل، ويكل الشقاق والألم والعناء محل الوفاق والمحبة والخطير في ذلك أنه كثيراً ما تنعكس حالة الوالدين على معاملتهما لأبنائهما فتكثر أخطاؤهما معهم، ويعم الشقاء الآباء والأبناء معا، الأمر الذي لا يدع الصغير يتمسك بهذه الأسرة ما دام لا يجد فيها أمنا لنفسه ولا راحة أو نمواً لعواطفه بل القلق المستمر والعذاب الدائم، ولذلك يفر بعيداً عنها إلى أي مجال خارجي فيه تعويضا عما افتقده من أمن انفعالي في داخل أسرته.