لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسليم يدرب أطفال المسلمين منذ صغرهم على تحمل المسئوليات في مجال الأعمال المختلفة لتنمو شخصيتهم، ويعتمدوا على أنفسهم في تحمل أعباء المعيشة، وفي إنجاز الأعمال المهمة التي تتطلبها منهم الدعوة الإسلامية في الدفاع عنها، ونشرها بين الناس، ومن ناحية أخري اعتماد كل منهم على نفسه في اتخاذ مهنة له يكسب منها رزقه، ولا يكون عالة على غيره. وطريقة الرسول صلى الله عليه وسليم في هذا الموقف تطبيق لأحدث نظريات التربية المبنية على معرفة عميقة بعلم نفس الطفل، والتي تدعو لإتاحة الفرصة للأطفال منذ نعومة أظافرهم لممارسة بعض الأعمال التي يتدرجون فيها على تحمل أعباء لا يجوز أن يستمروا في الاعتماد على آبائهم وأمهاتهم في تلبية حاجاتهم المختلفة وعدم تكليف أنفسهم يبذل أي جهد وتحمل أي صعوبة حتى يصبحوا في سن الشباب ؛ إذ إن التربية على أسلوب الميوعة والدلال تفسد الفتى ، وتجعله عاجزاً عن مواجهة صعوبات الحياة في المستقبل.
ومن المعروف عالميا والمتفق عليه أن السبب الرئيسي لعمالة الأطفال في الدول النامية يرجع إلى الفقر، فالعوامل المباشر ترجع إلى أن الأطفال الفقراء يواجهون مشكلات اقتصادية ثقيلة ، بينما أطفال آخرون لا يكون السبب في اتجاههم للعمل الفقر، فمثلا بعض الباعة الجائلين من عائلات غنية ، ولكن الأطفال يعملون لقضاء وقت الفراغ والحصول على المصروف اليومي.
هذا بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية لأسر الأطفال العاملين التي من أهم أسباب انتشار ظاهرة عمالة الأطفال؛ إذ تنشر هذه الظاهرة بصفة أساسية في الطبقات الفقيرة في الريف والحضر حيث يعتبر الطفل العامل مصدراً للدخل بالنسبة لأسرته فقد حال سوء الأوضاع الاقتصادية لكثير من الآباء؛ لاسيما في المناطق الريفية دون إرسال أبنائهم إلى المدارس بصفة منتظمة. وعلى الرغم من كون التعليم الابتدائي إجباريًا ومجانياً، فقد أسهمت الأنماط التقليدية المرتبطة بالزراعة في مصر والتي تقتضى استخدام الأطفال في بعض أنواع العمل مثل جمع الديدان والآفات الحشرات وجنى القطن، وغير ذلك من الأعمال التي يتعين فيها الآباء بأبنائهم في عدم انتظار الأطفال بالمدارس، أو انقطاعهم التام فيها، ولا يزال كثير من الآباء الأميين وخاص في الريف غير مكترثين بتعليم أبنائهم، وغير مدركين لجدوى هذا التعليم وهم إلى جانب ذلك يتمسكون بالتقاليد القديمة.
ذلك لأن أسرهم ينتمون للفئات الدنيا في القوى العاملة، فمعظمهم من العمال اليدويين، وعمال الخدمات، وصغار المزارعين ، وتتفاوت دخولهم بحسب ظروف سوق العمل، غير أن العامل المؤثر الذي يدعم هذه الأجور نسبيا يتمثل في تعدد إسهامات أفراد الأسرة بعملهم في زيادة دخل الأسرة، وقد تبين أن عدد الأفراد الذين يسهمون في دخل الأسرة يتراوح ما بين فرد واحد وستة أفراد بمتوسط 2.8 فرد علي مستوي العينة الكلية.
ومع تسليمنا بصعوبة الحصول علي تقديرات دقيقة لدخول الأفراد والأسر، وهي سلبية تواجهها كافة البحوث الاجتماعية، إلا أن نتائج البحث مع ذلك، تلقي بعض الضوء علي ظروف تلك الأسر. وتفيد هذه النتائج أن دخل الأسرة يبلغ في المتوسط 48.68 جنيها في الأسبوع ويلاحظ أن نسبة(58.8%) من الأسر تقل دخولها عن هذا القدر إذ تتراوح ما بين 10-40 جنيها في الأسبوع، وإذا ما عدنا إلي الأسباب التي أبداها المبحوثون لانخراطهم في سوق العمل، تبين أن العوامل الاقتصادية تمثل في المرتين الثالثة والرابعة بين العوامل المذكورة، فيلي الفشل في التعليم والرغبة في تعلم صنعة، عاملان آخران هما: الحاجة لمساعدة الأسرة(39.9%) وتتفاوت أجور الأطفال بين الصناعات المختلفة، ويبلغ متوسط أجر الطفل علي مستوي إجمالي العينة 17.84 جنيها في الأسبوع. أي 71.36 جنيها في الشهر، ويضاف إلي ذلك ما يتقاضاه الطفل من أجور إضافية ووهبات. وبسؤال المبحوثين عن نسبة الأجر التي يسهمون بها في دخل ا لأسرة، تبين أن الغالبية تعطي الأهل الأجر كاملا(66.4%) ويتفاوت دعم باقي أفراد العينة علي الوجه التالي(18.40%) ثلاثة أرباع الأجر(6.5%) نصف الأجر 1.4 ثلث الأجر(1%) ربع الأجر، وبلغت نسبة المبحوثين الذين لا يدعمون أسرهم(5.1%) من إجمالي العينة، أما المبلغ الذي يسهم به الطفل في ميزانية الأسرة، بعد خصم ما يختص به شخصيا، فقد بلغ في المتوسط 11.12 جنيها أسبوعيا، أي 44.48 جنيها في الشهر. وسعت هيئة البحث إلي تعرف قيمة هذا الإسهام بالمقارنة بإجمالي دخل الأسرة. وقد اختلفت تقدير كل من المبحوثين وعينة الأمهات المختارة لإجمالي دخل الأسرة، ففي حين بلغ متوسط دخل الأسرة شهريا، حسب تقدير الأطفال المبحوثين 194.72 جنيها(وقد يكون فيه قدر من المغالاة) بلغ المتوسط حسب تقدير عينة الأمهات 145 جنيها في الشهر(وقد يكون الأمهات تعمدن إخفاء بعض مصادر الدخل، كما حدث كثيرا بين هذه الفئات) فإذا ما اعتبرنا التقديرين مؤشرين احتمالي لدخل هذه الأسر، ونسبا إليهما متوسط إسهام الطفل في دخل الأسرة تتبين أن متوسط دخل الأسرة حسب التقديرين سألفي الذكر. وبسؤال العين الأمهات (90 مفرده) عما إذا كان لإسهام المادي الذي يقدمه الطفل يعتبر مهما في دعم دخل الأسرة، أجابت بالإيجاب(81%) من الأمهات اللاتي ردد علي هذا السؤال( وبلغ عددهن 62 مفردة) وبسؤالهن عن أوجه إنفاق هذا المبلغ أجبن:
- للصرف علي إخوته(69%).
- علشان أكله ومصروفه(26%).
- يدخره لكي ينفعه في المستقبل(5%).
هذا وقد سبق أن أوضحنا أن هذه الأسر تتلقي دعما من أكثر من عضو من بين أعضائها، الأمر الذي يشير إلي أهمية دور البناء في دعم دخل هذه السر وكما سبق أن أوضحنا، فإن هذه الأسر تتميز بالتماسك، ويربي أفرادها علي الشعور بالمسئولية تجاه الأسر وعلي الإيمان بالتكامل فيما بينهم، ولذا كان من الطبيعي أن يعبر الغالبية العظمى(91.6%) من الأطفال عن رضائهم بالإسهام في دعم دخل الأسرة. أما الاعتبار الاقتصادي الآخر الذي يسهم في إقبال الأطفال علي العمل فهو اعتبار شخصي يتمثل في رغبتهم في الحصول علي مال ينفقونه علي احتياجاتهم الخاصة. فمما لا شك فيه أن الطفل الذي يحصل علي جزء من أجره أو علي مصروف يومي لتغطية نفقاته وللنزهة في يوم الإجازة ولشراء الحلوى...الخ.... إن هذا الطفل لا بد أن يشعر بالرضاء وبالاعتزاز بعمله.
إعالة الأطفال للأسر الفقيرة:
أوضحنا فيما تقدم أن إسهام الطفل يعتبر عنصرا مهما له وزنه في دعم ميزانية الأسر التي تنتمي للفئات العمالية الدنيا، غير أنه في بعض الحالات، تؤدي عمالة الأطفال دورا حيويا في إعالة السر ذات الدخل الضئيل، وعندئذ يكون اجر الطفل بمثابة المصدر الوحيد أو الأساسي للدخل الذي يكفل إعالة الوالدين، أو أحداهما ويوفر الاحتياجات الأساسية التي يعجز الكبار عن توفيرها.
ففي المناطق الريفية نجد معظم الأطفال يعملون في سن مبكرة، لأنهم من عائلات فقيرة متماسكة الأعضاء، ويتوقع فيها كل فرد أن يساهم في المعيشة.
وعلي سبيل المثال، يتبين من إحدى دراسات الحالة أن والد المبحوث يعمل في المحافظة كعامل لم يكفل للخدمات، ويتقاضى مرتبا شهريا لا يتجاوز خمسين جنيها، وحيث إن هذا المبلغ لم يكفل حد الكفاف لأسرته المكونة من خمسة أولا، ولذا فقد انخراطك اثنان منهم في سوق العمل. وارتفع بذلك دخل الأسرة إلي 130 جنيها في الشهر.وقد أظهر الدراسة أن أكثر الأسر عوزا وحاجة هي أسر الأطفال الذين يفتقدون الوالد ويعيشون في كنف أمهاتهم( من الأرامل أو المطلقات وقد بلغ عدد هذه الفئة 78 أسرة)،وفي هذه السر تستمر الأم في أداء دورها التقليدي في رعاية الأبناء وجمع شمل الأسر، وهي لا تتخطي هذا الدور في معظم الأحيان، فلا تؤدي غالبية الأمهات أن عمل (76.9%) وذلك رغم ظروفهن غير الملائمة. وقد تبين أن عدد الأمهات اللاتي يعملن يبلغ 16، ويمثل هذا العدد(520.5) من عينه الأمهات في هذه الفئة. وتؤدي الأم في هذه الحالة بعض الأعمال مثل بيع الخضر، والخدمة في المنازل والحياكية، وامتلاك كشك للمأكولات والعمل في ورشة نسيج أو في الزراعة... الخ. ويعتبر عمل الطفل- والأبناء بصفة عامة- مصدرا رئيسيا لدخل هذه الأسر ولهذا السبب تختلف أولوية الأسباب التي تدعو لعمل الأطفال المنتمين لهذه أسر عن تلك التي أبداها الأطفال علي مستوي العينة الكلية.
الجدول التالي يبين الأسباب المؤدية لعمالة الأطفال الذين يفتقدون الوالد( يعيشون مع الأم) بالمقارنة بالأسباب علي مستوي إجمالي العينة.
ويتضح من الجدول السابق أن الدافع الأساسي لاتجاه الأطفال إلى سوق العمل في سن مبكرة هي الدوافع الاقتصادية ، التي كانت لها الأولوية في اتجاه الأطفال المنتجين لأسر مكونة من الأم والأبناء فقط إلى الانخراط في سوق العمل، وكان أهم الأسباب الذي حاز أعلى نسبة مئوية هو لمساعدة الأهل في المصروف، وتلاه الرغبة في الإنفاق على ألذات، ويلي ا|لأسباب الاقتصادية في الأهمية الفشل في التعليم، ثم لرغبة في تعلم صنعة ، ويبرز هذا الترتيب في الأولويات الأسباب التي أدت لعمالة هذه الفئة من الأطفال، أوضاع أسرهم وحاجتها الملحة لزيادة دخولها كما تبين بوضوح اختلاف هذه الفئة من أولوياتها عن أولويات إجمالي العينة؛ إذ يعتبر أهم الأسباب التي أدت تشغيل الأبناء على مستوى إجمالي العينة هو الفشل في التعليم .
ويجدر التنويه أيضا إلى مظهر آخر من مظاهر عوز الأسر ، التي تفتقد الوالد وتعيش في كنف الأم فقط، فترتفع بين هذه الفئة نسبة تشغيل الإناث (14.1%)عن (1) النسبة المقابلة على مستوى إجمالي العينة (9.4%) ومع أن نسبة الأسر تفتقد الوالد تبلغ (13.8%) فقط من إجمالي أسر عينة البحث.
إلا أن عدد الإناث المنتميات لهذه الأسر، واللاتي يعملن قد بلغت (20.8%) من إجمالي المنتميات لهذه الأسر، واللاتي يعملن قد بلغت (20.8%) من إجمالي الأطفال الإناث في عينة البحث . ويتراوح عدد الأبناء الذين يسهمون بعملهم في دخل هذه الأسر، بين فرد واحد وخمسة أفراد، ويبلغ العدد في المتوسط 2.2 أبناء أو ابنه وقد يكون من المفيد في هذا المجال أن تعرض إحدى دراسات الحالة (( الطفل حسنين )) الذي يعمل في مصنع للنسيج في حي الوايلي ، وهو يسهم بكل أجره لدعم ميزانية أسرته والده شيخ في الستين من العمر، عاجز حاليا عن العمل ولا يتقاضى معاشا إذا يسبق التأمين عليه. كما أنه لا يملك مصدراً لدخل أخر، وإزاء عجز الوالد أضطر جميع أفراد الأسرة للخروج إلى سوق العمل. بما ذلك الأم رغم تقدمها في السن .
وتعمل الأم عاملة نظافة في أحد النوادي الرياضية قدرة 40 جنيهاً شهريا.
ويعمل لابن الأكبر فرانا بأجر 60 جنيهاً شهرياً.
- ويعمل الابن الثاني نساجاً بأجر 48 جنيها شهريا .
- ويضطر الطفل إلى الإسهام بعمله ويسهم ب 40 جنيها شهريا .
- وهنا طفل أخر مازال ملتحقاً بالدراسة .
وبذلك تحصل الأسرة على دخل شهري قدرة 188 جنيها ومن هذا المبلغ تغطي الأسرة نفقات الوالدين والأربعة ، وتتضمن تلك النفقات : الإعاشة الأساسية بما في ذلك المأكل والملبس والمصروف الشخصي لكل عضو في الأسرة ونفقات علاج الوالد المسن والنفقات المدرسية للابن الأصغر، وتبلغ خمسة عشر جنيها في الشهر وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى الأمور التالية .
تعتبر هذه الأسرة ( الحالة المعروضة ) مثالاً لعدد غير قليل من الأسر بين الفئات الدنيا ، التي تواجه صعابا جمة عند بلوغ رب الأسرة من الشيخوخة ؛خاصة إذا كان غير مؤمن عليه . وتتعرض للحرمان أيضا فئات أخرى مثل الأرامل ، وقد سبل الإشارة لحاجتهن لمساعدة الأبناء هذا بالإضافة إلى المجتمع أحياناً لا يشبع الحاجات الأساسية للأفراد، وهذا ما يتضح من خلال الدراسة التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1986لعينة من الأطفال وأخذت العينة من أمريكية الجنوبية وأجريت الدراسة على الأطفال، وعائلاتهم المقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية لدراسة مدى توافر الخدمات التعليمية للأطفال، والتدريب والتوظيف والمعلومات التي تم دراستها، وقد كان من أهم نتائج الدراسة انخفاض مستوى الخدمة التعليمية، والرعاية الصحية . وقد توصلت الدراسة لوجود معدلات متزايدة في النمو السكاني وقلة توافر الخدمات الصحية.
وتبين مما تقدم أن الفشل في التعليم والرغبة في تعلم صنعة يمثلان أبرز الأسباب التي تدعو الطفل الذكر للانخراط في سوق العمل، ويلي ذلك الأسباب الاقتصادية وعلى رأسها في مساعدة الأهل. أما الأسباب التي تدعو الفتيات للالتحاق بالعمل فأبرزها العوامل الاقتصادية، ويوضح ذلك أن الفتيات في هذه الفئة الاجتماعية تتجه للعمل لظروف اقتصادية ، وعلى وجه الخصوص لمساعدة الأهل، ويجدر التنويه أيضا إلى الارتفاع النسبي للفتيات اللاتي ذكرن الرغبة في الإنفاق على ألذات، ومن بينهن من ذكرن الرغبة في التجهيز للزواج. أما الانخفاض النسبي لسبب الفشل في التعليم، فيعود إلى نسبة كبيرة من الفتيات لم تذهب للمدرسة أصلا (45%) ولا تعتبر الرغبة في التعليم صنعة من بين أولويات معظم الفتيات، وذلك عكس الحال بالنسبة للذكور. ورغم اختلاف الأسباب التي تدعو الذكور والإناث للعمل، إلا أنه يمكن القول بصفة عامة أن أبرز العوامل التي تسهم في عمالة الأطفال، ترتبط بالفشل في التعليم ( والرغبة في تعلم حرفة ) وبالحاجة المادية أو بالسببين معاً.