غدت العناية بالأطفال معياراً من المعايير التي تقيس تقدم الأمم. ونظرا لأهمية الطفولة, وعظم عائد الجهود التي تستثمر في رعايتها, أنشئت المؤسسات والأجهزة المسئولة عن رعايتها وتوفير المقومات الأساسية التي تكفل حمايتها والنمو بها, أثبتت الدراسات التي تمت في مجالات الطفولة, أن نسبة كبيرة من مقومات شخصية الفرد السلوكية تتشكل في طفولته, ونعيش في مصر اليوم مرحلة تسابق لتحقيق تنمية شاملة تهدف إلى رفاهية شعبها ورقيه. وحيث أن ما يقرب من نصف تعداد مصر من الأطفال, لذا يجب أن تحتل الدراسات الخاصة بالطفولة مركز الصدارة في كل من دراساتنا النفسية والتربوية والاجتماعية على كافة المستويات الرسمية وغير الرسمية.
وطفل اليوم هو ناتج الغد, وصانع المستقبل, لذلك يجب أن نضع في اعتبارنا كدولة نامية, أن جوانب التنمية متكاملة, وغير منفصلة. فلا يتسنى لنا وضع نظرية متممة للتنمية, ما لم تتطرق هذه النظرية لمختلف العوامل البشرية والاقتصادية التي لها علاقة بالتنمية , ويجب أن نعلم أن التنمية البشرية تعد من أهم المقومات التي تسير إلى جانب التنمية الاقتصادية لتحقيق التنمية المتكاملة , غير إن جوانب التنمية لن تتحقق لها مقومات النجاح , إلا من خلال إحداث متغيرات جوهرية في أنماط الحياة التقليدية السائدة في مجتمعنا, واستبدالها بأساليب جديدة قائمة على تغيير أنماط التفكير السائد بأنماط أكثر ابتكارية وتجديدا وتحديثا.

ولن نحقق هذا التغيير المطلوب في نمط التفكير , واستبداله بأنماط أكثر ابتكارية , الا من خلال اعتبار الطفل نقطة البداية لهذا التغيير , فإذا أحسنا إعداد أسلوب تفكير الطفل,  وبخاصة تفكيره ألابتكاري . نضمن أكبر عائد ادخاري استثماري يحقق التنمية , فقد استقر فكر التربويين الحديثين على ضرورة الاهتمام بتربية المبتكرين , واستثمارهم كثروة بشرية عظيمة , حيث يتوقف على إنتاجهم ألابتكاري المستقبلي تقدم دولهم , والدفع بها نحو التحديث والتطوير , والسير بالمجتمع نحو التنمية الشاملة المنشودة .

وحينما نتحدث عن ابتكار الطفل فلابد وأن نتطرق إلى معنى كل من الابتكار, والتربية الابتكارية. إن الابتكار هو إنتاج شئ جديد له وجود متميز عن من أوجده , شئ يستطيع الآخرون إدراك وجوده , أو هو إنتاج جديد لعناصر سبق لها الوجود , والابتكار هو وسيلة تطوير الحياة الإنسانية , وتميزها عن حياة باقي المخلوقات, وإذا تصورنا حياتنا وقد خلت من الابتكارات والإبداعات لوجدناها فقيرة وجامدة لا نطالع فيها جديد , فالحياة تعتمد اعتمادا كبيرا على التطور الفكري الخلاق القائم على الرغبة في كشف كل ما هو جديد, وإلى تسخير كافة الامكانات لتنمية المجتمع , فالإبداع الإنساني من أهم مصادر تنوع وتفتح الحياة الإنسانية بأسرها , وهو صفة حبا الله الإنسان دون غيره من المخلوقات, فغير عن طريقه أشكال ومضامين الحضارة على وجه الأرض, فلا يمر يوم جديد ولا يأتي فيه الفكر الإنساني الابتكاري بجديد لم يسبق للإنسانية أن تناولته بنفس الكيفية من قبل.

وتوجد الصفات الابتكارية لدى كل فرد بنسب متفاوتة , متمثلة في استعداداته الطبيعية وقدرته على استغلالها, وعلى الظروف البيئية التي تستثمر هذه الاستعدادات, فليس المهم أن توجد هذه الصفات فحسب, وإنما الأهم كيفية ممارسة هذه القدرات الإبداعية والاستفادة منها عن وعي.

ولا يمكن التوصل لهذا النوع من الإبداع الواعي , إلا عن طريق تعهد أطفالنا منذ نعومة أظافرهم بفكرة التربية الابتكارية داخل كافة الأجهزة المعنية بتنشئة الطفل كالأسرة, والمدرسة, وأجهزة الإعلام, المجتمع ككل.

التربية الابتكارية:
يقصد بالتربية الابتكارية هذا النوع من التربية الذي يتجه إلى إثارة وتنمية التفكير الإبداعي لدى أطفالنا وأبنائنا بشتى الطرق, وهو نوع من التفكير ذي النسق المفتوح الذي يعمل على استثارة النشاط الإبداعي لهم, كأن يسمح للأطفال باكتشاف الحلول المختلفة للمشكلات, وبعث روح التشكك العلمي فيهم, وعدم تقبلهم للأمور على علاتها, حتى ندفعهم لمواصلة البحث, وننمي قدرتهم على الملاحظة, وحب الاستطلاع, فالتربية الابتكارية المقصودة هنا, ما هي إلا محاولة لجمع الطاقات الفكرية التي تتدفق على العقل في أي تجربة جديدة يشعر معها الإنسان بحاجات داخلية تدفعه نحوها دفعا.

وقد تناست بعض الأجهزة المنوطة بشئون الطفل مثل النظم التربوية أو الأسر أو أجهزة الإعلام هذا الهدف الإبداعي. بالرغم من إيمان بعض هذه النظم بأن المبادرة الإبداعية فرصة يجب اغتنامها, إلا أنها ليست على استعداد لأن تجعل من هذا الاغتنام أهم غاياتها, وينتهي بها الأمر إلى أن تصادرها لصالح التكيف مع النمط الاجتماعي السائد للتفكير, وهذا الأمر قد يحطم المسيرة الإبداعية التي يجب أن تعد هدفا من أهداف التربية الحديثة, وقد يتبادر إلى الأذهان أني أدعو إلى عدم التكيف الاجتماعي باعتباره معوقا للمسيرة الإبداعية, ولكن كل ما أقصده أن لا تتم عملية التكيف بناء على معايير ومواصفات موضوعة مسبقا, تتخذ كمعيار ينبغي أن يصطبغ به التفكير, لان هذا النوع من التكيف يعمل على قتل صفة التنوع والاصالة في النماذج الإنسانية, والحقيقة أن التكيف يرتبط بصورة أو أخرى بالقدرات الإبداعية. فالفرد أثناء محاولة تكيفه مع ما يحيط به, إن لم يكن مبرمجا بنمط فكري معين, فإنه يقوم باختراع أساليب جديدة تساعده على التكيف مع هذه الظروف الجديدة, وهنا نلاحظ أن الإبداع كان ناتجا عن إحساس الفرد بالتكيف مع الظروف المحيطة به. بأسلوب يجده مناسبا, ولذلك نقول " الحاجة أم الاختراع".

الصفات الابتكارية للطفل:
تقترب صفات الطفل الطبيعية من بعض صفات الشخص المبتكر, فالطفل يتمتع بذكاء طفولي يقوم على الدهشة وحب الاستطلاع, والخيال المنطلق بغير حدود, فالدهشة تعد العامل الرئيسي لاكتشاف وقائع جديدة تعد جوهر المعرفة, كما أن الطفل من خلال رغبته الغريزية لحب الاستطلاع يكون شغوفا بكشف أسرار الوجود, وفحص كل ما يحيط به, وذلك من خلال روح اللعب التي تهيمن عليه, وتسيطر على كافة نشاطاته, كما تتسم معظم أنشطته بقدرة خيالية منطلقة بغير حدود, ونراه يعبر عن نفسه بأسلوب تلقائي فطري, وذلك لأن الطفل حينما يؤدي أنشطته المختلفة يكون مازال غير مقيد بأنماط فكرية ثابتة, وإنما يعبر عن كل ما يحيط به بحرية وانطلاق, بأسلوبه ونمطه الخارجي.

إعداد:

  • أ.د/ عبلة حنفي عثمان - أستاذ سيكولوجية الفن بكلية التربية الفنية – جامعة حلوان

 

  • Currently 302/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
101 تصويتات / 2268 مشاهدة

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

21,171,245

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك