واللعب هو وسيلة الطفل التي تزداد بها معرفته لبيئته التي يعيش فيها يوما بعد يوم. فالأطفال في مختلف الأعمار يلعبون في عمل أشياء تكسبهم ازديادا في المهارة أو القوة أو الفهم. كما تنمي قدراتهم على الابتكار والإبداع, وتنمي خيالهم. كذلك فإن الطفل يضيف عن طريق اللعب, معلومات جديدة إلى معلوماته عن العالم.

إن ازدياد فهمنا للكيفية التي ينمو بها النشء ويتعلم, أقنع المربين والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين, بأن اللعب هو أفضل الطرق التي يكتشف بها الطفل الحياة, ويكتسب خبرات جديدة عن نفسه, وعن غيره من الناس, وعن العالم الذي يعيش فيه. فالطفل عندما يعض قطعة خشب أو يربت بيده على حيوان ذي وبر, تبدأ عنده القدرة على التميز بين ملامس الأشياء المختلفة في العالم المحيط به, كما ينمى حاستي الذوق واللمس عنده. وعندما يمشي بحرص واهتمام فوق لوح مائل من الخشب, يشعر بالسعادة لأنه استطاع أن يفعل ذلك, فتزيد حاسة التوازن عنده. وعندما يرمي كرة ويحاول أن يلقفها عندما ترمي إليه, يقترب خطوة من الانسجام العضلي. إنه يقوي عضلاته الكبيرة بركوب دراجته ذات العجلات الثلاث, أو بالتسلق. ويقوي عضلات أصابعه الصغيرة باللعب يضم به حبات عقد. إنه يلعب ويمرح, وهو في الوقت نفسه يتعلم ..

وإذا كان من الصحيح أن الطفل لن يموت إذا افتقد الفرصة للعب كما يحدث لو أنه حرم من الطعام, فلابد أن نضع نصب أعيننا, أنه إذا أعطينا الطفل طعاما أقل من اللازم, أو من نوع غير مناسب, أو طعاما غير متوازن, فإنه لن ينمو بالشكل الطبيعي.

إن الطفل يحتاج إلى النوع المناسب من الطعام, وإلى الكمية المناسبة, وفي الوقت المناسب. وعلى نفس المنوال, إذا لم نعط الطفل الفرصة لكي يلعب, أو لم نقدم إليه المادة المناسبة, في الوقت المناسب, فإنه لن ينمي إمكانياته الكاملة.

إن الطفل الذي يلعب جيدا, هو دائما الطفل السعيد, والعكس صحيح. ويقول " بياجيه" أن قدرتا التخيل والابتكار تكونان في قمتهما عند الأطفال في مرحلة رياض الأطفال, وأنه يجب أن تنمي هاتان الصفتان من خلال اللعب والرسم وقص القصص, وذلك حتى لا يفقد الإنسان القدرة الابتكارية والتصورية عندما يتقدم به العمر الزمني.

كما يقول إن معظم أفكار الطفل لا تتكون عنده عن طريق التلقين والحفظ, لكنها تكتسب تلقائيا. وعلى المربين أن يتعرفوا على مرحلة النمو التي يمر بها أطفالهم, حتى يهيئوا لهم اللعب والألعاب والأنشطة المختلفة, التي تساعدهم على أن يتعلموا بأنفسهم.

إن فلسفة لعب الأطفال تعتمد أساسا على أنه يجب ألا نلقن الطفل معلومات, بل يجب أن ندعه يهتدي إليها بنفسه, وأن يتعود كيف يكتسب المعلومات من ملاحظته للأشياء, وبهذا يتحول إلى طالب للعلم طوال حياته. والسبيل إلى ذلك أن ندع الفرصة للطفل لينطلق مع ميله الطبيعي, عن طريق اللعبة التي يختارها, والتي تساعده على تنمية ملكاته, بأن يمزج بين اللعب والعمل.
وإذا لاحظنا الطفل أثناء لعبه في مرحلة الطفولة المبكرة, نجد أنه يقوم بعمليات معرفية على نطاق واسع, فهو يستطلع ويستكشف الألعاب الجديدة كذلك فإنه يقوم بتكرار الأفعال التي تحدث نتائج.

وهو أيضاً يستدعي الصور الذهنية التي تمثل أحداثا سبق أن مرت في خبرته السابقة, كما يحدث عندما يقلد أفعال الكبار وسلوكهم وتصرفاتهم.

وهو في كل ذلك يدرك, ويتذكر, ويتصور, ويفكر ... فهو إذن يقوم بنشاط معرفي واضح. إن اللعب إنما يهيئ للطفل فرصة فريدة للتحرر من الواقع الملئ بالالتزامات والقيود. وبالإحباط والقواعد والأوامر والنواهي, لكي يعيش أحداثا كان يرغب في أن تحدث له, ولكنها لم تحدث, أو يعدل من أحداث وقعت له بشكل معين, وكان يرغب في أن تحدث له بشكل آخر وهذا النشاط الحر لا يحدث فقط على سبيل الترفيه, وإنما هو الفرصة المثلي التي يجد فيها الطفل مجالا لا يعوض لاكتساب ما يعز عليه اكتسابه في مجال الجد.

كذلك يكتسب الطفل من اللعب, في هذه السن المبكرة, معارف جديدة, ويتمثل ذلك في علاقات السببية التي يكتشفها بين الفعل, أو بين ما يقوم به وما يترتب عليه من نتائج.

وفي سياق اللعب أيضا, يكون لدى الأطفال فرصة للعب الأدوار. ففي اللعب الإيهامي , يقوم الطفل بأدوار التسلط وأدوار الخضوع معا. ففي نفس الوقت يلعب دور الوالد ودور الرضيع, والأطفال في ذلك كله يجربون ويختبرون ويتعلمون أنواع السلوك الاجتماعي التي تلائم كل موقف وذلك بحرية تامة, ودون خوف أو تعرض لنتائج غير سارة.

اللعب التي تثير السلوك الاستطلاعي

اللعبة لكي تثير السلوك الاستطلاعي عند الطفل, لابد أن يتوافر فيها عدد من العوامل يتقرر على أساسها مقدار ما يظهره الطفل من سلوك استطلاعي.

هذه العوامل هي الجدة والتعقيد والغرابة :
فبالنسبة لعنصر الجدة , فان الاستجابة لأي مثير يمكن أن تخبو إذا ما تكرر عرض هذا المثير على الطفل عدة مرات, بحيث يصبح الطفل معتادا على رؤية ذلك المثير, ويصبح المثير نفسه غير قادر بعد ذلك على جذب انتباه الطفل.

أما بعد عن التعقيد, فانه كلما كان المثير معقدا, ازدادت فرص جمع المعلومات عنه, وازداد بالتالي مدى اهتمام الطفل به وانتباهه إليه, وقلت فرص الاعتياد عليه.

وموضوع اللعب المعقد يتضمن أيضا صفة الغرابة, وهذا يدفع الطفل إلى استجلاء الموقف حتى يزيل وجه الغرابة, وذلك في سبيل سيطرة الطفل على البيئة.

فالطفل وهو أمام لعبة معقدة, يقوم بفحص اللعبة لمعرفة النواحي الغامضة عليه فيها, كما يقوم باستخدامها كلعبة. والأطفال الصغار أقل من 4 سنوات يقومون بهذين النوعين من النشاط بدرجات متساوية تقريبا, في حين أن الأطفال من 4إلى 6 سنوات يصرفون وقتا في الاستطلاع أطول من ذلك الذين يصرفونه في اللعب.

 ولا شك أن درجة عالية من التعقيد في اللعبة, بمعنى أن يكون التعقيد أكثر مما يمكن للطفل استيعابه, هي شئ غير مرغوب فيه. ذلك أنه إذا كان الفرق بين الموقف المثير, وما سبق للطفل أن تعلمه, أكبر من اللازم, فان ذلك يثير التوتر والتجنب بدلا من الاهتمام والتناول. وفي نفس الوقت, إذا كان الفرق أقل من اللازم, فان الطفل سوف يمل.

والمستوى الأمثل هو ذلك الذي يتحدى الطفل, ولكن يبقى في نفس الوقت في حدود إمكانيته وقدرته على الاستيعاب.

 والمبادئ الثلاثة التي تحكم عملية الاستطلاع عند الأطفال, وهي الجدة والتعقيد والغرابة, والتي يجب أن تتوافر في اللعب التي نقدمها للأطفال, تنطوي على مضامين عملية بالغة الأهمية من حيث تعليم الأطفال.
ذلك أن الألعاب المعروضة على الأطفال, إذا كانت مألوفة أو بسيطة أكثر من اللازم فان الأطفال عندئذ سوف يصيبهم الملل.

أما إذا كانت المواد بعيدة كل البعد عن خبرات الأطفال السابقة, أو معقدة أكثر من اللازم أو غريبة إلى حد الخوف, فان الأطفال عندئذ سوف يتجنبوها.

 إعداد:

  • أ . يعقوب الشاروني - أستاذ زائر "أدب الأطفال" بقسم الدراسات العليا - بكلية رياض الأطفال بالإسكندرية - والمشرف على باب الطفل بصحيفة الأهرام ومجلة نصف الدنيا - والرئيس السابق للمركز القومي لثقافة الطفل.
  • Currently 266/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
89 تصويتات / 2152 مشاهدة
نشرت فى 26 يوليو 2009 بواسطة byotna

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

21,337,687

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك