تشغيل الأطفال يقصد به توظيف الأطفال واستخدامهم عمالاً بأجور. وقد أصبح ذلك مشكلة اجتماعية خلال الثورة الصناعية في بريطانيا في القرن الثامن عشر الميلادي، كما انتشرت المشكلة إلى الدول الأخرى عندما تحولت إلى بلاد صناعية.

وقد نشأت المشكلة عندما بدأت المصانع والمناجم تستخدم أطفالاً تقل أعمار العديد منهم عن العاشرة. وقد كان الأطفال يجبرون على العمل ساعات طويلة في ظروف صحية قاسية وبأجور زهيدة. وقد بدأ المصلحون الاجتماعيون ينتقدون بشدة تشغيل الأطفال لما في ذلك من تأثير سيِّء على صحتهم وعلى تنشئتهم التنشئة الملائمة. وربما كان أقوى الانتقادات وأنجحها ما كتبه الروائي تشارلز ديكنز في روايته أوليفر تويست (1837-1839م). حيث انتشر الكتاب على نطاق واسع في بريطانيا ومنها إلى كافة أنحاء العالم ووجه الأنظار إلى ما يعانيه الأطفال بسبب تشغيلهم. ثم بدأت البلدان تدريجيًّا في سنّ قوانين لتصحيح هذا الوضع وعدم الإساءة إلى الأطفال بسبب تشغيلهم. إلا أن المشكلة لا تزال قائمة، فلا يزال تشغيل ملايين الأطفال يتم بشكل غير قانوني في الدول الصناعية وفي الدول النامية وفي ظل ظروف قاسية.

وفي الدول النامية يعمل الأطفال في المصانع والمناجم بل حتى باعة متجولين لحسابهم الخاص. أما في أستراليا ونيوزيلندا وأمريكا الشمالية ومعظم أقطار أوروبا فإن الأطفال العاملين يكونون في الغالب في العقد الثاني من أعمارهم ويعملون نصف الوقت وفي ظل ظروف عمل تخضع بدقة لتقنين التشريعات المحلية. إلا أن العديد من الأطفال في الدول الصناعية لا يزالون يعملون في إطار قوة عمل الأسرة. وقد يعملون إما الوقت كاملاً أو نصفه في مصانع صغيرة أو حتى في البيت.

أما في كثير من الدول النامية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية فلا يزال ملايين الأطفال من الأولاد والبنات يعملون الوقت كاملاً بصفة غير قانونية، ففي بعض الدول يشكل الأطفال ممن تقل أعمارهم عن الخامسة عشرة نسبة كبيرة من مجموع القوى العاملة ويعملون في ظل ظروف قاسية خالية أو تكاد من أي رقابة أو تنظيم. ويُستخدم هؤلاء غالبًا في المناجم والمحاجر والمصانع والمزارع. كما يعمل بعض الأطفال مع أهلهم أعمالا بسيطة ولكنها تساهم في زيادة دخل الأسرة.

كما قد يعمل بعض الأطفال إما لموت والديهم أو تعرضهما للعجز أو فقدان العمل. ففي مصر مثلا، ورغم أن قانون العمل يمنع استخدام الأطفال ممن هم دون الثانية عشرة، إلا أن صناعة دباغة الجلود صناعة تستخدم عددًا كبيرًا من الأطفال منذ القرن التاسع عشر الميلادي.

وفي كولومبيا يعمل الأطفال في الزراعة والصناعة وقطع الحجر وصناعة الطوب. وتعتمد صناعة الذهب في بيرو على عدد كبير من القوى العاملة من الأطفال ذوي الهجرة الموسمية. ويعمل الأطفال في صناعة السجاد في فاراناسي بالهند. كما يعمل الأطفال في صناعة الملابس وفي الصناعة الخشبية في الفلبين.

ورغم أن القوانين في كثير من الدول النامية تمنع تشغيل الأطفال، إلا أن ضعف الإمكانات المادية في هذه الدول يعيق تنفيذ القوانين كما أن حاجة العديد من الأسر في الدول النامية بسبب انخفاض مستويات المعيشة، تجعل من عمل الأطفال مصدر دخل إضافي لسد حاجات أسرهم الأساسية.

استغلال الأطفال عبر التاريخ

منذ فجر التاريخ والأطفال يعملون ويساهمون في إعالة أسرهم خاصة في المزارع. ولم تنشأ مشكلات اجتماعية بسبب عمل الأطفال إلا مع ظهور الثورة الصناعية عندما ظهرت للوجود أنظمة العمل الصناعية. ففي القرن الثامن عشر بدأ رجال الأعمال في بريطانيا في استخدام الأطفال. وقد دفعهم إلى ذلك انخفاض رواتب الأطفال مقارنة بالكبار، وقلة المشكلات التي يسببها الأطفال لرب العمل قياسًا بالكبار. كما أن أنامل الأطفال الصغيرة قد تكون أنسب لبعض الآلات في نظر أصحاب المصانع. وقد عمل الأطفال بأجور زهيدة في مصانع ومناجم ومطاحن تتصف بالقذارة وقلة الإضاءة. ومع هذه الظروف فقد قاموا بأعمال تحتاج إلى قوة الكبار. وقد أصيب عدد من الأطفال بالعجز الدائم أو التشوهات الجسدية بسبب قيامهم بأعمال لا تناسب أجسامهم الغضة، أو بسبب عملهم في أجواء غير صحية ملوثة بالغازات السامة والأتربة التي تؤثر على أجهزتهم التنفسية. وقد يقع الأطفال نيامًا أثناء العمل فتجرحهم، وربما تقتلهم، الآلات التي لا تتوافر حولها الحماية الكافية. وغالبًا ما يمنع العمل الأطفال من الدراسة، فيصبحون فئة غير متعلمة لا يستطيعون القيام إلا بالأعمال التي لا تستدعي المهارة مما يحول دونهم ودون تطوير أنفسهم.

القوانين الأولى لتشغيل الأطفال

أصدر البرلمان البريطاني أول قانون ينظم عمل الأطفال عام 1802م حيث منع ذلك القانون تشغيل أطفال دور الرعاية الاجتماعية ممن تقل أعمارهم عن التاسعة في محالج القطن. كما منع القانون إجبار الأطفال ممن هم في سن تقل عن الرابعة عشرة على العمل ليلا، كما حدد ساعات عملهم اليومية بـ 12 ساعة. وفي عام 1819م مددت مظلة ذلك القانون لتشمل جميع الأطفال. إلا أنه لم تظهر آثار ملموسة لوضع ذلك القانون موضع التنفيذ إلا في عام 1833م حيث صدر قانون المصانع متضمنًا مواد تسمح بمراقبة المصانع وتفتيشها. وتلت ألمانيا بريطانيا حيث صدر في ألمانيا قانون عام 1839م ينظم عمل الأطفال. في الولايات المتحدة اعتمدت تنمية صناعة النسيج إلى حد كبير؛ على الأطفال؛ ففي عام 1832م كان 40% من عمال مصانع النسيج في مناطق نيوإنجلاند، المنطقة الشمالية الشرقية في أمريكا، ممن هم بين السابعة والسادسة عشرة وفي عام 1836م صدر في ولاية ماساشوسيتس أول قانون أمريكي ينظم عمل الأطفال. وقد منع ذلك القانون استخدام الأطفال الذين تقل أعمارهم عن الخامسة عشرة في المصانع مالم يكن الطفل قد أمضى مالا يقل عن ثلاثة أشهر في المدرسة في السنة التي تسبق التوظيف. وفي عام 1890م عقد مؤتمر دولي للعمل في برلين بألمانيا لدراسة مشكلة عمل الأطفال، وفي عام 1900م تأسست في سويسرا المنظمة الدولية للتشريعات العمالية بغرض وضع الحدود الدنيا لحماية العاملين من الأطفال.

التشريعات الحديثة

تسود الآن في العديد من الدول تشريعات وقائية تحول دون تشغيل الأطفال. وتمنع هذه القوانين من حيث المبدأ تشغيل الأطفال ممن تقل أعمارهم عن سن معينة، كما تمنع تشغيل الأطفال خلال اليوم الدراسي أو لعدد من الساعات يتعارض مع أداء الأطفال لواجباتهم المدرسية ممن هم في سن الدراسة. كما تمنع هذه القوانين تشغيل الأطفال في حمل ما هو فوق طاقتهم أو رفعه. كما تحوي هذه القوانين كثيرًا من التفاصيل حول حماية الأطفال والشباب من العمل في المصانع والتعدين والتحجير وصناعة السفن. كما أن عمل الأطفال في المسرح والأفلام وصناعة الترفيه بصورة عامة يحتاج إلى ترخيص. وفي الدول العربية، صدرت قوانين تمنع تشغيل الأطفال في سن معينة. ففي المملكة العربية السعودية مثلاً، صدر قانون العمل والعمال رقم 2299 تاريخ 19/9/1389هـ، والذي ينص على عدم جواز تشغيل الأطفال الذين لم يبلغوا الثالثة عشرة، وعدم السماح لهم بدخول أماكن العمل. كما نصّ بشكل عام على عدم جواز تشغيل الأطفال فوق سن الثالثة عشرة في الأعمال الخطرة أو الصناعات الضارة كالآلات في حالة دورانها بالطاقة والمناجم ومقالع الأحجار وما شابه ذلك. كما نص القانون على عدم جواز تشغيل هؤلاء الأطفال أثناء فترة الليل. كما نص القانون على أنه لا يجوز إطلاقًا تشغيل الأطفال لفترة تزيد على ست ساعات يوميًا. وفي الهند صدر قانون المصانع عام 1948م، يمنع استخدام الأطفال في المصانع، كما ينظم ظروف عملهم. ثم صدر بعد ذلك قانون بمنع استخدام الأطفال دون سن الرابعة عشرة في الأعمال الضارة أو الخطرة، كما ينظم ظروف عمل الأطفال في وسائل المواصلات والورش والمزارع. وفي هونج كونج يمنع الأطفال دون الخامسة عشرة من العمل في أي صناعة مهما كانت. وفي الفلبين لا يسمح للأطفال دون الخامسة عشرة بالعمل إلا مع والديهم أو الأوصياء عليهم. وقد يسمح للأطفال بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة بالعمل عددًًا من الساعات يوميًّا بشرط ألا يتعارض ذلك مع التزاماتهم الدراسية. أُنشئت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة لتحسين ظروف العمل في جميع أنحاء العالم. وقد أقرت عددا من التوصيات والأعراف المتعلقة بعمل الأطفال والشباب. فمثلا العرف المحدد للحد الأدنى لعمر العامل يبين متى وأين وما الظروف التي يمكن فيها تشغيل الأطفال. وقد أقر ذلك العرف 36 بلدًا حتى عام 1988م. وقد أقر العديد من تلك الدول سن الثانية عشرة حدًّا أدنى للعمل في الأعمال الخفيفة، وما بين السادسة عشرة والثامنة عشرة للأعمال التي تتضمن عنصر خطورة. ومع ذلك لا يزال أمام منظمة العمل الدولية الكثير مما يمكن عمله لحماية الأطفال من استغلال أرباب العمل. وما لم تتحسن الأحوال المادية في كثير من الدول، فإنه لا يزال كثير من الأطفال في هذه الدول في حاجة للعمل للإنفاق على أنفسهم أو ربما لزيادة دخل أسرهم المتدني.

المصدر: الموسوعة المعرفية الشاملة
  • Currently 454/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
153 تصويتات / 11351 مشاهدة

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

21,174,573

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك