نحن جميعا نخاف . وهناك من الخوف ما هو مفيد . بل إن من الخوف ما هو قاتل .

فأنت مثلا تعلمين أطفالك كيف يحمون أنفسهم بالخوف من الأخطار، كالخوف من السيارات المسرعة ومن النار ومن الزجاجات التي بها سوائل غير معروفة ومن المرض، والعدوى، ومن الرجال الغرباء الذين يقدمون للأطفال الحلوى أو النقود . كل هذه دروس في الاحتراس المعقول التي نعلمها لأطفالنا .

ولكننا من ناحية أخرى قد ننقل إلى أطفالنا مخاوف غير معقولة كالخوف من الحيوانات الأليفة أو من بعض الحشرات، أو الخوف من الظلام، أو من الأماكن الجديدة، أو الخوف من الموت، أو من المعوقين، أو الخوف من الأماكن المغلقة أو الأماكن العالية، أو الخوف من الانفراد وأنواع أخرى لا حصر لها من أمثال هذه المخاوف .

ونحن ننقل هذه المخاوف إلى أطفالنا بالعدوى أحيانا . وننقلها إليهم قاصدين أحيانا أخرى وننقلها إليهم غير قاصدين من ناحية ثالثة .

ولا غرابة إذا قلنا أن لدى الطفل استعدادا قويا لالتقاط مخاوف آبائهم فإذا كانت الأم تخاف من الصراصير أو من الظلام مثلا فإنه سيكون من الصعب عليها أن تنصح ابنها ( أو ابنتها ) أنه لا يوجد هناك ما يوجب الخوف من هذه الأشياء .

كما أننا لا نستطيع أن نتصور أما تقفز من مكانها مرتعده عند سماع الرعد مثلا ثم لا ننقل مثل هذه الخوف إلى الابن ( أو الابنة ) الذي يكون جالسا بجانبها، بل وربما أمسكت به هو طالبة الحماية ؟ ! ويصرف النظر عن مصدر تعلم الخوف فإن أطفال هذه المرحلة تنمو قدرتهم على التخيل إلى درجة تساعدهم على خلق مخاوف بأنفسهم . فيتصورون أشياء لا وجود لها كالعفاريت أو توقع حدوث الحوادث أو ما إلى ذلك كذلك يساعد خيال الطفل في هذه المرحلة على أن يضع نفسه مكان الآخرين ويتصور أن الخطر الذي أصابهم قد أصابه أو يمكن أن يصيبه هو نفسه .

إن خيال الطفل يمكن أن يصور له أي شيء في هذه المرحلة . ولكنه لا ينسج مخاوفا من فراغ، فكل ما يدور حول الطفل من أحداث مثيرة أو مؤلمه، سواء منها ما هو مرئي أو ما هو مسموع أو ما هو مشاهد، هو المادة الأولية التي ينسج خيال الطفل مخاوفة منها . وأهم ما في هذه المادة ما يتعلق بالجو العائلي العام .

فالجو العائلي العام المشحون بالمشاجرات والتهديدات بالطلاق والانفصال .. وأحيانا الاعتداء بالألفاظ أو بالأيدي أو بما هو أقسى ...

والإهانات المتكررة أمام الطفل بين الأب والأم .. ثم ترك الأم أو الأب للمنزل، كل هذا يمكن أن يزعزع أمن الطفل ويملأه بالمخاوف والقلق . على أن ذلك ربما كان يمثل حالة قصوى من الظروف التي تغذي خيال الطفل بالمخاوف . ولا شك أن هناك في معظم الحالات ظروفا أقل قسوة .

فاستماع طفلك لمناقشة عن الموت مثلا قد يجعله في الحال يوجه إليك سؤالا : هل سأموت أنا أيضا : وهو بذلك يعكس خوفه من الموت بناء على ما سمعه . وسنوضح لك فيما بعد كيف نجيب الطفل على هذا السؤال بما يزيل مخاوفه .

والاستماع إلى قصص مخيفة أو مشاهدة المناظرة العنيفة سواء على الطبيعة أو عن طريق وسائل الاعلام، يعتبر أيضا من العوامل التي تغذي خيال الطفل بالمخاوف غير الواقعية .

والصعوبات التي يكون الطفل قد تعرض لها أثناء المراحل السابقة في بعض النواحي كالرضاعة والفطام والتدريب على التحكم في الإخراج يمكن أن يجعل الطفل أكثر قابلية للخوف من غيره من الأطفال .

وعدم وجود فرصة للشعور بالاستقلالية والكفاءة في خبرات الأطفال السابقة يجعلهم أكثر تعرضا للمخاوف من غير غيرهم .

التهديد من جانب الوالدين والتخويف بشكل مباشر يعرض الطفل دون شك للكثير من المخاوف .

الخوف من الحيوانات

من الطبيعي أن يخاف الطفل من بعض الحيوانات في هذه الفترة من العمر، حتى الأطفال الذين لم يمروا بأي تجارب مؤلمة .

لا تحاولي جذب الطفل ناحية الكلب، مثلا، إذا كان يخافه، فإن ذلك سوف يزيد من مخاوفه ولن يساعده . ولكن اتركيه، وبمرور الأشهر سوف تلاحظين أن طفلك يحاول بنفسه الاقتراب من الكلب دون خوف، وخاصة إذا أخذت أنت الكلب بين يديك وأظهرت لطفلك أنه لا يضر، وتكرر منك ذلك عدة مرات مع اقتراب الطفل في كل مرة شيئا فشيئا .

الخوف من الماء

  • لا تحاولي اطلاقا جذب طفلك إلى البحر فإن ذلك يعطي نتيجة عكسية تماما في معظم الحالات وينتج عنه خوف الطفل من الماء .

الخوف من الإصابة

إن الخوف من إصابة أي جزء من الجسم بين العام الثاني والخامس من العمر للطفل يمكن التغلب عليه كالأتي .

ففي هذه السن يريد الطفل أن يعرف السبب وراء أي شيء، فإذا ما شاهد الطفل رجلا معوقا مثلا فإنه أولا يريد أن يعرف السبب وراء إصابته ثم يبدأ في التفكير إذا كان من الممكن إصابته نفسه بهذه الإصابة .

وقد يشاهد الطفل جسم أخته أثناء استحمامها، ويلاحظ الفارق بين جسمه وجسمها وقد يعتقد أن بها إصابة لاختلاف تكوينها عن تكوينه مما قد يصيبه بالخوف، فعليك أن توضحي له بطريقة سهلة أن هناك فرقا بين جسم الأخت وبين جسم طفلك لأنها بنت وهو ولد .

ويمكنك أن تخبريه أنه مثل والده وأن أخته مثلك . أما بخصوص العاهة فبإمكانك أن تقولي له ببساطة أنه أحيانا يتعرض الشخص للحوادث وأن الواحد منا إذا انتبه جيدا وكان حذرا فإن ذلك هو الطريق الوحيد للوقاية من الحوادث .

الأحلام المزعجة ( الكوابيس )

تعتبر الأحلام المزعجة طريقة أخرى من الطرق التي تعبر بها مخاوف الطفل عن نفسها أثناء النوم، إلى جانب تعبيرها عن نفسها أثناء اليقظة، ولذلك تكثر هذه الأحلام في حياة الطفل في هذه المرحلة أكثر من أي مرحلة أخرى، وتصل هذه الأحلام إلى ذروتها فيما بين الرابعة والسادسة، وإن كان بعض الأطفال يستمر بعد هذه السن في المعاناة من مثل هذه الأحلام بين حين وآخر .

وغالبا ما تأتي هذه الكوابيس على فترات، فنجد الطفل يعاني منها كل ليلة تقريبا لمدة أسابيع ثم لا يعاني من أي منها لمدة شهر كامل .

والكوابيس وإن كانت دليلا على الخوف والقلق إلا أنها تعتبر شيئا طبيعيا في هذه المرحلة، فكل طفل في هذه المرحلة لديه ما يقلقه، ولا بد أن يظهر خوفه من حين لآخر بهذه الصورة .

ولذلك فلا حاجة للوالدين إلى أن ينشغلا أكثر مما يجب بشأن هذه الأحلام، ولكن ليس معنى ذلك أن يتجاهلاها أو ينكراها على طفلهما، فالطفل في هذه المرحلة يكون في حاجة شديدة إلى المساعدة بتهدئته والوجود إلى جانبه.

إن من أهم ما يمكن عند التعامل مع الكوابيس هو أن تسرعي إلى طفلك بمجرد سماعك صرخته فإن صوتك وصورتك ولمساتك له سوف تعمل على تبديد الوحشة والوحدة التي تزيد من خوفه، كما تساعد على إعادة الطمأنينة والراحة له في الحال وللاحتياط الواجب أيضا أنك إذا ما اضطررت إلى الخروج وترك الطفل في هذه المرحلة مع أحد المعارف والأقارب أو مع مربية، فعليك أن تتأكدي أنك قد اخترت شخصا معروفا للطفل معرفة جيدة . وأن يكون في الوقت نفسه جديرا بثقتك بأنه سوف يهرع إلى طفلك بمجرد سماع أقل صوت يدل على خوفه .

والأهم من ذلك كله هو العمل على التعرف على مصدر تلك الأحلام إذا ما تكررت أو كانت عنيفة . ذلك أنها في هذه الحالة إنما تعكس وجود درجة من القلق أو الصراع الذي يعاني منه الطفل .

وغالبا ما ينم محتوى الحلم عن مفتاح لذلك الصراع أو القلق الذي يعانيه الطفل . وقد يعبر الحلم عن ذلك إما صراحة أو في شكل رمزي مقنع . فقد يؤرق الطفل ليلا القطة التي أخافته في أثناء النهار أو الحادث الذي حدث له كسقوطه من على الدرج أو غير ذلك من الأحداث أو الأشياء .

وقد يساعد على التعرف على مصدر القلق الذي تعبر عنه أحلام الطفل، أن نناقش معه في الصباح موضوع الحلم الذي أرقه ليلا، أو على الأقل أن نساعده على أن يرويه لنا حتى يخفف من حدة التوتر الذي قد يعانيه .

والطفل الذي يأنس إلى والديه ولا يجد لديهم إلا كل تقدير لمتاعبه وتفهم وتقبل لكل ما يشعر به، دون تهكم أو إنكار أو تقليل من شأن تلك المتاعب، سوف يكون أسلس قيادا في الحديث عن هذه المتاعب، بما في ذلك الأحلام المزعجة سوف يجد الآباء أن ابنهما لا يزال من السذاجة بحيث لا يستطيع أن يخفي دوافعه ويقنعها بالدرجة التي قد يقوم بها الكبير .

الأفكار المخيفة

ولا تحدث الكوابيس كأحلام أثناء النوم فقط بل أنها تحدث أيضا كأفكار أثناء النعاس أي في فترة قبل النوم مباشرة .

ولا يستطيع الطفل نفسه أن يجزم إذا كان نائما لحظتها أم مستيقظا ولكنه يبدأ في البكاء أو النداء ليخبرك بأنه لا يستطيع النوم .

ومما يساعد في هذه الحالة أحيانا سؤالك لطفلك عما يضايقه – فقد يستطيع أن يخبرك عن هذا الوحش الذي يريد أن يلتهمه . وإذا أنصت إليه فإنه يشعر بالراحة عندما يتكلم معك . عندئذ عليك أن تعيدي إليه الطمأنينة والشعور بالأمان بصورة بسيطة وقاطعة أيضا – فإذا كانت المشكلة هي " أن الحرامية سيدخلون المنزل .. فعليك أن تذكري طفلك بأنه ليس في إمكان أي شخص الدخول، ذلك لأن الأبواب جميعها مغلقة بأحكام، وكذلك فإن النوافذ كلها مرتفعة ولا يستطيع أحد ولو استعان بسلم أن يصل إليها .

إن مثل هذه الأفكار تختلف عن الكوابيس، فهي تنبثق مباشرة نتيجة القصص التي يسمعها الطفل أو يشاهدها على الشاشة الصغيرة . وكما لو كان عقله يسرد عليه القصة مرة أخرى عندما يبدأ في الاسترخاء ويقترب من النوم . إن تخيله القوى يبدأ عندئذ في العمل، فعليك ألا تحكي للطفل سوى القصص اللطيفة قبل ذهابه إلى الفراش، وذلك حتى يذهب إلى النوم ولديه أفكار مبهجة .

من الأسباب التي قد تنشأ عنها هذه الأفكار أيضا أن تصل إلى أسماع الطفل بعض أحداث الحياة المؤلمة، أو حتى نصف محادثة عبر المسرة أثناء محادثتك مع إحدى الصديقات عن عملية جراحية مثلا – أو قد يصل إلى سماعة مشاجرة أو يسمع صوت أم تبكي .. كل هذه الحالات تسبب القلق وخاصة عندما يذهب للنوم .

مرة أخرى نكرر أن في استطاعتك مساعدة لطفلك بالحديث معه والشرح .. ولكن إياك والكذب .

فإذا تطرق إلى سمع طفلك مشاجرة، فمن الأفضل كثيرا أن تعترفي بوقوعها وأن تقصى على طفلك جزءا مناسبا من سبب حدوثها .

إن طفلك سوف يتقبل لمشاجرات وخاصة إذا ما ذكرته بأنه هو أيضا يتشاجر مع أصدقائه الذين يحبهم، وكذلك مع أخوته وان المشاجرة لا تعني عدم الحب – كما أن الكبار أيضا يمكنهم البكاء مثل الصغار .

  • Currently 308/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
105 تصويتات / 1820 مشاهدة
نشرت فى 26 يونيو 2007 بواسطة byotna

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

21,287,672

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك