إن أي فشل للطفل في مرحلة الطفولة سواء كان ذلك في التحصيل المدرسي أو الإنجاز بشكل عام أو حتى في الارتفاع إلى المستوى الخلقي المتطلب منه ـ لا يقتصر أثره على الموقف الذي يفشل فيه، أي لا يكون أثره موقفيا فحسب بل ينسحب ذلك على مفهوم الطفل عن ذاته بشكل عام، ومن هنا فإن موقفنا بالنسبة لرعاية الطفل في هذه المرحلة يجب أن يأخذ في اعتباره ليس فقط حماية الطفل من الوقوع في خبرات الفشل، أو بمعنى آخر لا يجب أن يقتصر على مجرد الوقاية، بل لا بد من أن يتعدى ذلك إلى اتجاه إيجابي بناء يرمي إلى تكوين مفهوم لدى الطفل عن ذاته أنه يقدر وأنه يستطيع وأن له احترامه وكيانه المعترف به بين الكبار كما هو بين الزملاء أو رفاق اللعب .

فالطفل في هذه المرحلة يكون مستعدا لأن يأخذ دورا أكبر بالنسبة للمجتمع الواسع وسيصبح غير راض عن نفسه إن عاجلا أو أجلا إذا لم يقم بعمل الأشياء بكفاءة وعلى هذا الأساس يصبح اعتبار الذات لديه مفتاحا لحل التناقض المرحلي الذي يقع فيه، والذي قد ينتهي به إما إلى الشعور بالإنجاز أو بالشعور بالنقص فاعتبار الذات يزيد من فرص الطفل في النجاح الذي يدعم بدوره زيادة شعوره باعتبار الذات وهكذا .

وفي هذه المرحلة يكون للأسرة تأثير قوي في تنمية اعتبار الذات عند الطفل، وقد أجري بحث على 85 طفلا في السنتين الخامسة والسادسة الابتدائية وعلى أساس اختبارات معينة أمكن تقسيم الأطفال إلى مجموعتين الأولى يتمتع أفرادها بتقدير عال للذات والثانية على العكس بتقدير منخفض ووجد أن آباء الأطفال ذوي التقدير العالي للذات تربطهم بأطفالهم علاقة تنقسم بشكل ثابت بالصفات الآتية :

  1. التقبل التام لأطفالهم .
  2. إقامة حدود واضحة لما يمكن أن يصدر من أطفالهم من أفعال .
  3. الإصرار على فرض هذه الحدود وإن كان يسمح في داخلها بحرية في التعبير وبدرجة من الحيد عن السلوك التقليد أكثر مما تسمح به العائلات التي ينتمي إليها الأطفال من المجموعة الأخرى .

ومن الواضح أن وضع حدود واقعية لما يجب أن يلتزم به الأطفال يساعد إلى حد ما على إزالة الغموض عند الطفل ويقلل بالتالي من فرض الفشل غير المقصود في الالتزام بمعايير الوالدين . فالمعايير إذا كانت غير واضحة يكون الأطفال في موقف لا يعرفون فيه ما الذي يطلب منهم، وبالتالي فإنهم لا يستطيعون أن يقيموا أعمالهم . أما إذا كانت المعايير واضحة فإن ذلك يساعد الأطفال على أن يكتسبوا الإحساس بالكفاءة . كذلك فإن المعايير المحددة بوضوح والتي نفرضها بإصرار، تجعل الطفل في أمان وثقة من أن الوالدين لن يغيرا رأيهما دون توقع . بعبارة أخرى، فإن الطفل في هذه الحالة لن يكون قلقا بالنسبة لما يمكن أن يحدث بالنسبة له . ويسمى هذا الأسلوب أسلوب " الحزم " . وقد وجد أن الآباء الذين يتسمون بالحزم هم أكثر من غيرهم حصولا على أبناء يتسمون بالكفاءة والاستقلالية في فترة ما قبل المدرسة هؤلاء الآباء الحازمون يفرضون القواعد بثبات ويتطلبون من أطفالهم مستوى عاليا من التحصيل . إلا أنهم في نفس الوقت يمتازون بالدفء العاطفي والمعقولية ويتقبلون أسئلة أطفالهم وتعليقاتهم وإلى جانب ذلك فإن هؤلاء الآباء والأمهات يثقون بأنفسهم .

وهناك علاقة كبيرة بين درجة احترام الطفل لذاته واحترام الوالدين لذاتهم ـ فقد وجد أن هناك معامل ارتباط مرتفع بين هذين المتغيرين . كذلك هناك علاقة كبيرة بين تاريخ عمل الأم واعتبار الطفل لذاته، فقد وجد أنه كلما ارتفع اعتبار الطفل لذاته كلما كان ذلك أدعى إلى الحصول على تاريخ عمل للأم حافل بالاستقرار والسعادة . كانت أمهات الأطفال ذوي التقدير المرتفع في اعتبار الذات دائما ما يبدين رغبتهن في الاستمرار في العمل حتى ولو لم يكن بحاجة إلى ذلك، أما بالنسبة للوالد فلم يكن الحال هكذا فلم تتضح هناك أية علاقة بين تاريخ عمل الأب واعتبار الطفل لذاته، بعبارة أخرى فإنه لا مكانة الوالد من حيث المهنة ولا مستواه الاجتماعي كان له ارتباط بتقدير الطفل لذاته إلا في حالة واحدة وهي تكرار تعطل الوالد حيث كان تقدير الطفل لذاته في هذه الحالة منخفضا .

أما في حالة شعور الطفل بالنقص فقد وجد أن البداية تكون عادة عن طريق والدين يعاملان طفلهما معاملة تتسم بالرفض والتباعد والتسلط . ذلك أن الوالدين اللذين يتسمان بالتسامح الزائد عن الحد قد يكونان بالفعل متباعدين غير مكترثين إلا عندما تنشأ مشكلة . عندئذ قد يعاقبان الطفل بشدة لمخالفته للقواعد التي لم يضعاها أصلا . في هذه الحالة ـ حيث لا يكون الطفل واثقا مما يتوقعه منه الوالدان غير قادر على التنبؤ بما يمكن أن يحدث في المستقبل فإنه لا يملك إلا أن يشعر بالغباء وانعدام الحيلة . إن الآباء الأتوقراطيون الذين يطلبون من أبنائهم طاعة تامة لأوامرهم دون السماح بأي مناقشة للحدود أو الأسباب التي وضعت على أساسها المعايير، كأنما يقولون لأبنائهم " أنتم غير جديرين بالاحترام " والشعور الطبيعي الذي يزحف على الأطفال عندئذ هو ذلك الشعور بعدم الأهمية . والنتيجة النهائية هي السلبية والانصياع في هذه المرحلة على الأقل .

وليس الوالدان هما الوحيدين في عالم الطفل اللذين بإمكانهما أن يساعداه على النجاح والشعور بأنه بالفعل هو المسئول عن هذا النجاح فإذا أعجب أصدقاء الطفل به لروح الدعابة لديه مثلا أو لمهارته في الرسم فإنه يبدأ الشعور أيضا بالرضا عن نفسه وإذا أطراه المدرس على إلقائه أو لقدرته على التمثيل وأسند إليه دورا في التمثيلية التي تقدمها المدرسة في حفلها السنوي، فإن ذلك أيضا يساعد على تقدير الطفل لذاته .

إن تقدير الطفل لذاته في هذه المرحلة وما يليها يقع في المركز من حيث تكوين الشخصية بمعنى أن شعور الفرد بقيمته ومقداره يصبغ كل تعامل له مع العالم المحيط . ذلك أنه حتى لو نجح الفرد في عمله المدرسي وفي مهنته أو في علاقاته بالآخرين وكان هذا الفرد يعاني من الشعور بالنقص فإنه في أغلب الأمر سوف يعزو ذلك النجاح إلى حظه السعيد أو إلى مجرد الصدفة، بدلا من أن يعزوه إلى مجهوده الذاتي أو قدرته الخاصة .

وبدخول الطفل مرحلة المراهقة يصبح اعتبار الذات من الناحية السيكلوجية أمرا أشد تعقيدا، ذلك أنه وإن كان هذا المتغير في الشخصية قد نما بناء على خبرات السنوات السابقة، إلا أنه بعد ذلك يتجاوز هذه الخبرات فالأطفال يمكنهم أن يخبروا الشعور بقيمة الذات أو بالنقص أما المراهقون فإن بإمكانهم أن يختبروا هذه المشاعر في أنفسهم ذلك أن المراهقين يصبح في إمكانهم أن يضعوا خبراتهم ذاتها موضع التفكير وموضع التقدير كما سيتضح ذلك في الفصول القادمة .

  • Currently 276/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
92 تصويتات / 1924 مشاهدة

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

21,346,704

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك