القيام بدور الأب

في البداية تقول زينب سيد محمود كان زوجي موظفًا بسيطًا، وكان راتبه بالكاد يوفِّر لنا أساسيات الحياة إلا أنَّ القدر شاء أن يُتوفى تاركًا لي أربعةَ أبناء في مختلف مراحل التعليم، ولم أجد أمامي سوى الخروج لمجال العمل؛ حيث إنَّ المعاش الذي نحصل عليه لا يمكن أن يساعد في مواجهة أعباء المعيشة، ولأني لم أكمل تعليمي فقد قمتُ بعمل مشروع لتربية الأرانب، والحمد لله يدر دخلاً يفي بما يحتاج إليه أبنائي.

 لكن المشكلة التي تواجهني هي عدم قدرتي على القيام بدور الأب داخل البيت؛ فالعاطفة تغلِّف كل تصرفاتي مع أبنائي لإشفاقي عليهم؛ نتيجةً لحرمانهم من أبيهم إلا أنهم لا يفهمون ذلك الأمر الذي جعلهم يهملون دراستهم ويقضون معظم أوقاتهم خارج البيت أو أمام التليفزيون، والشجار لا ينقطع معهم، لقد أصبحتُ أعاني من كل الأمراض بسبب التوتر والضغط الذي أعيش فيه، ولقد لجأتُ إلى شقيقي كي يساعدني في إصلاح أمرهم ويسد الفراغ الذي تركه أبيهم.

 أوقات صعبة للغاية

منى سالم أحمد هي الأخرى أم لثلاثة أبناء سافر زوجها للخارج منذ أكثر من عشرة أعوام ولا تعرف عنه أي شيء؛ حيث انقطعت أخباره تمامًا وفشلت كل المحاولات التي بُذلت في الوصول إليه، وهي تعترف بقسوة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها، وتقول القيام بدور الأب والأم داخل الأسرة أمر غاية في الصعوبة، خاصةً في ظل هذا العصر الذي يتعرَّض فيه أبناؤنا لتياراتٍ فكريةٍ وثقافية هدامة.

وتضيف لقد تمكَّنت من خلال مساعدة الأهل من فتح محل لبيع مستلزمات المدارس ولعب الأطفال، ومن دخله أنفق على أبنائي، ورغم قدرتي على الوفاء باحتياجات أبنائي المادية إلا أنني أعترف أني أجد صعوبةً بالغةً في تربيتهم وتوجيههم، خاصةً ابني الأكبر فهو دائمًا يرفض الاستماع إلى نصائحي، كما أنه كثيرٌ ما يخطئ في اختيار أصدقائه، وهذا الأمر جعلني أعيشُ أوقاتًا صعبةً للغاية من خوفي من تأثير هؤلاء الأصدقاء.

إنَّ الأبناء في سن معينة يحتاجون فعلاً إلى شدة الأب كي تحميهم من المخاطر المحيطة بهم، لكن ماذا عسى أن أفعل؟! إنَّي أضاعفُ جهدي في التربية كي أقوم بدور الأب والأم معًا متحملةً من الضغوط النفسية والعصبية ما لا يستطيع الرجال تحمُّله، وكل ما أتمناه هو الوصول بأبنائي إلى بر الأمان.

 أصحاب النفوس المريضة

نجوى م. أ- مُطلَّقة- وهي أم لطفلين تقول: تركني زوجي وتزوج من غيري وما أحصل عليه من نفقة يعجز عن سداد متطلبات الحياة خاصةً في ظل الارتفاع الرهيب الذي تشهده الأسعار كل يوم، والحقيقة أنَّ محاولات حصولي على فرصة عمل تتناسب مع مؤهلي الدراسي صعبة للغاية؛ حيث إني حاصلة على ليسانس الأدب قسم تاريخ.

 ما دفعني للعمل في مصنع لإنتاج الحلويات في إحدى المدن الجديدة، وكل ما أتمناه هو أن أستطيع أن أفي بالتزامات صغاري دون أن احتاج إلى أحد، كما أنَّ تجربتي المُرَّة مع زوجي الذي تخلَّى عني وعن أبنائي رغم أني لم أدخر يومًا جهدًا لإسعاده، إضافةً إلى أني امرأة يشهد لها الجميع بالجمال والرقة وحسن السلوك، كل هذا جعلني لا أفكر في الزواج مرةً أخرى، وليت مأساتي تنتهي عند هذا الحد! فللأسف المرأة المطلقة تكون مطمعًا لأصحاب النفوس المريضة، خاصةً إذا كانت في ظروفها المادية قاسية، الكل يرغب في المساعدة على أن يحصل على المقابل، فهناك مَن يعرض الزواج العرفي، وهناك مَن يرغب فقط في قضاء وقتٍ ممتعٍ، وهم لا يُفرِّقون بين امرأةٍ جادةٍ متدينة تعرف ربها لكنَّ ظروف الحياة أجبرتها على النزول للعمل من أجل حياةٍ كريمةٍ لأبنائها، وامرأةٍ مستهترةٍ لا تعرف حدود المولى عز وجل.

 رحلة عذاب يومية

تيسير إسماعيل مصطفى زوجة افترس الفشلُ الكلوي زوجَها وجعله طريحَ الفراش لا يقوى على العمل، مما جعلها تخرج للعمل، وهي تقول: مع بدايةِ مرض زوجي كان الأهلُ والأصدقاء يساعدوننا في تلك المحنة، لكن طال المرضُ وبَعُدَ عنَّا الجميع، ولم يعد راتب زوجي يكفي الغسيل الكلوي الأسبوعي له، وشعرتُ بالخطر الذي يهدد كيان أسرتي، فأبنائي في مختلف مراحل التعليم، ولكل واحدٍ منهم احتياجاتُه، وقد بدأ مستواهم العلمي في الانخفاض بعد أن تغيَّرت أحوالنا الاقتصادية.

والحقيقة أنَّ البحث عن عملٍ لم يكن بالأمر السهل، خاصةً وأني لم أعمل من قبل، ومعظم الوظائف تشترط الخبرة بالإضافة إلى صغر السن، مما جعلني ألجأُ إلى عمل قرضٍ صغير من أحد البنوك لأتاجر في الملابس الجاهزة؛ حيث أقضي يومي بين البيوت والمكاتب الحكومية أعرض ما لديَّ من بضاعةٍ وبعد رحلة العذاب اليومية أعودُ لأبنائي وزوجي كي أقوم بدوري كربةِ بيتٍ وزوجةٍ وأم، ولا أستطيع أن أصف حجم المعاناة اليومية التي أعيشها يوميًا، لكن من أجل أسرتي ومستقبل أبنائي يمكنني تحمُّل كل شيء.

 أرملة رجل حي!!

نادية م. أ- رغم وجود زوجها ورغم أنه يعمل في وظيفة مرموقة إلا أنها تعيل هي الأخرى أسرتها؛ حيث تقول: زوجي لا همَّ له في هذه الحياة سوى مظهره وأناقته وأنْ يبدو دائمًا في قمةِ الشباب، وكل مرتبه ينفقه على الملابس و(البرفانات) وصبغات الشعر وسهراته مع أصدقائه، وكلما طالبته بالتزاماته تجاهي وتجاه أبنائي يؤكد أنَّ تربية الأبناء مسئولية الزوجة، وأنه يتركني أخرجُ للعمل كي أُنفق على الأبناء، ويجب ألا أزعجه بتلك الأمور السخيفة!!.

وتضيفُ الزوجة قائلةً: إنَّ راتبي بالكاد يكفي الدروس الخصوصية لأبنائي، ولا أعرفُ ماذا كنت سأفعل إن لم يكن أبي بجانبي، ولو لم تكن ظروفه المادية تسمح له بمساعدتي فلن أتحدث عن معاناتي النفسية من إهمال زوجي لي لدرجة جعلتني في أوقات كثيرة أشعر بأني أرملة لرجل حي، ولكنَّ أبنائي هم أيضًا شعروا بافتقادهم التام لأبيهم فهو مجرد شخص يجمعنا به المكان فقط.

وهذا الأمر يؤثر بدرجةٍ كبيرةٍ على نفسيتهم مما يضاعف آلامي ومعاناتي، لقد أصبحت لا أستطيع النوم إلا بالمسكِّنات.

 فريسة لكل الأمراض

فاطمة ص. ح. تختلف معاناتها فهي غير متعلمة لا عملَ لها، زوجها كان يعمل مبيضًا معماريًّا، ولديها ستة من الأبناء، فجأةً دون أي مبررات قرر زوجُها عدم العمل، فباعت كل الغالي والرخيص في بيتها للإنفاق على أسرتها إلى أن وصل الأمر إلى أنها لم تجد ما تبيعه وهي تقول: أشار عليَّ الجيرانُ باستقطاع حجرة من بيتي وفتحها محل بقالة، وبالفعل تمَّ ذلك وقمتُ بعمل قرضٍ من بنك التنمية والائتمان.

 ومرَّت الأيامُ وزاد حجم مسئوليات الأبناء وزادت تكلفة الحياة وزاد حجم المعاناة التي أعيش فيها أنا وأبنائي، ونحن نرى الآباءُ حولنا لا همَّ لهم سوى توفير حياةٍ كريمةٍ لزوجاتهم وأبنائهم، ونحن يعيش معنا رجلٌ لا يعرف سوى النوم والأكل ومشاهدة مباريات كرة القدم والأفلام والأغاني، وخلاف ذلك يقوم بإهانتنا جميعًا ويسمع الجيران صوته إذا ما لم يعجبه الطعام أو إذا تأخرنا في تقديمه.

ابنتي الكبرى تحمل مسئولية الإنفاق على أشقائها وهي ترفض كل مَن يتقدم لخطبتها؛ خوفًا من أن يكون مثلَ أبيها، كما أنها لا تجد في أبيها الأبَ الذي تفتخر به أمام مَن يتقدم لها، أما ابني الأكبر فقد فشل في دراسته ويجلس هو الآخر في البيت لتزدادَ خيبةُ أملي وتزدادَ معاناتي ولأصبحَ فريسةً لكل الأمراض العضوية والنفسية.

 تحقيق: أمل سعيد

  • Currently 357/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
119 تصويتات / 4400 مشاهدة

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

21,128,323

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك