ومنذ مولد الطفل, تعتبر اللعبة الوسيلة المثلى ليتعرف على الصفات العامة لما يحيط به. فعن طريق اللعب بالكرات الصغيرة الصوفية الملونة, ثم الكرات الكبيرة, ثم المكعبات, ثم المستطيلات, يتعرف الطفل على المادة والوزن واللون والمرونة والشكل والحجم والعدد والعلاقات بين الأشياء.
وكلما نما الطفل, كلما كان من الضروري أن نختار له من الألعاب ما يتناسب مع سنه.
ومن هنا يجب الحذر من الاقتصار على تزويد الطفل باللعب التي تتركه سلبيا. لا يفعل أكثر من وقوفه موقف المتفرج منها, إن مصانع اللعب كثيرا ما تنتج ألعابا يتصور الكبار الذين يدفعون ثمنها, أنها خير هدية للطفل, لا لشئ إلا لدقة مشابهة نموذجها للأشياء الحقيقية, أو لجمال شكلها الخارجي, في حين أن هدية بسيطة من مجموعة مكعبات, أو عدد من العصى الصغيرة الملونة, يمكن أن تكون أكثر فائدة وتسلية للطفل من قطار فاخر يسير بالكهرباء, أو عروسة كبيرة تقول بابا وماما.
وبالتالي فان الألعاب التي تنمي في الأطفال القدرة على التركيب والتفكيك, والبناء طبقا لنموذج, والتجريب للحصول على نتائج معينة, لاشك ستساعد الطفل عندما يبدأ في دراسة العلوم, إذ سيتعامل مع عالم كبير من القطع المعدنية ذات الثقوب والتي يمكن ربط أجزائها بعضها ببعض, لتكوين نماذج لآلات ميكانيكية كرافعة أو طائرة أو سيارة. أو مثل لعبة الكيميائي الصغير, وهي صندوق يتضمن عددا من ألآت معامل الكيمياء, ومعه المواد غير الخطرة , ليجري بها الطفل بعض التجارب.
وفي المؤتمر الذي نظمه اليونسكو في بون في الفترة من 5 إلى 11 أغسطس سنة 1971, والذي أشرفت عليه المنظمة العالمية لتربية الطفولة, كان أحد الموضوعات الرئيسية لأبحاث المؤتمر, هي كيف أصبحت الألعاب شرطا أساسيا لتقدم البشرية في مجال التكنولوجيا والعلوم.
وكما يقول التقرير الختامي لحلقة " النهوض بالتعليم قبل المدرسي في مصر" ( يونيو 1981) فإنه مع عدم إبهار التطورات المذهلة التي حدثت في مجال لعب الأطفال والوسائل التعليمية ومدى تأثيرها على جذب انتباه الأطفال وتحدي قدراتهم إلا أنه علينا أن ندرك بأنه ليس بالأدوات الكهربائية والالكترونية الحديثة وحدها يتعلم الأطفال, بل أنهم يتعلمون أيضا بأدوات وأجهزة ووسائل بسيطة, مثل الصور واللوحات وأدوات الرسم والألوان وغيرها, مما يمكن توفيره بنفقات ضئيلة. هذا إلى جانب اعتبار البيئة بمكوناتها المختلفة, بمثابة وسائل للتعليم, عن طريق الزيارات والرحلات والمعسكرات.
كما ينبغي تدريب المشرفات والمعلمات على صنع الوسائل والأدوات من خامات محلية, بل يجب أن يشارك الأطفال في هذا كجزء من أنشطتهم العملية والحركية والفنية.
إن المنهج العام في التربية يقوم على المبدأ القائل بأنه إذا أردنا أن يتعلم الطفل الكلام وجب على الكبار أن يكلموه بمجرد ولادته. وبعبارة أخرى يجب وضع الطفل في ظروف الحديث الشفهي قبل أن يتكلم هو نفسه بزمن طويل, فلماذا لا نهيئ نفس الطريقة, الظروف المناسبة لتنمية الملكات الأخرى؟
إن علينا, بقدر المستطاع, أن نبذل الجهود لنهيئ لأطفالنا الظروف التي تساعد على تنمية أكبر عدد ممكن من أوجه النشاط ألابتكاري الخلاق, وعلينا ألا نتردد في أن ندخل في بيئة أطفالنا, عددا كبيرا من الأشياء المعروفة في عالم الكبار, ليلعبوا بها. فإلى جانب اللعب والعرائس وكتب الأطفال, علينا إدخال طائفة كبيرة من المواد التعليمية , كخرائط, والكرة الأرضية, والكتب المدرسية, وسلسلة كاملة من الألعاب التعليمية.
وتبدأ الألعاب بأعمال بسيطة جدا, مثل تنفيذ نماذج بالمكعبات أو قطع البناء المصنوعة من البلاستيك أو الخشب أو العلب الفارغة. ثم ننتقل إلى أعمال تتطلب قدرا أكبر من الإبداع, مثل اختراع نماذج جديدة.
ولا يجب أن تكون هذه الأعمال ذات طابع تعليمي نظامي, فهي ليست " دروسا", يلقنها الكبار للصغار, ولكنها عبارة عن مباريات أو مسابقات خفيفة الظل , يشترك فيها الكبار مع الأطفال.
ويجب أن نشجع الأطفال على معرفة الجواب بأنفسهم, وألا نستعجلهم مهما طال الزمن, لأنه من الأفضل أن ننتظر ونصبر, وندرس طريقة تفكيرهم ولا نتدخل حتى وإن ضلوا الطريق, بل نتركهم حتى يكتشفوا الخطأ بأنفسهم, لأن كل ما نريده, هو أن يتعلموا الابتكار, وأن تكون لهم وجهة نظر خاصة, مع القدرة على الدفاع عن رأيهم.
كما يجب أن نتيح للأطفال حرية أكبر في اختبار ما يشغلون به وقتهم من ألعاب وأعمال, وترتيب الجدول الزمني لأدائها, لأن هذا يتيح الفرصة لاكتشاف ميولهم والتعبير عنها.
ونحن نعلم أن الأطفال يزداد ميلهم غالبا إلى القيام بلعبة ما, متى اشترك الكبار فيها بحماس, وبخاصة آباؤهم. ويجب على الكبار ألا يقفوا على الخطوط الجانبية, وأن يتجنبوا القيام بدور المراقبين غير المتحيزين, بل يجب أن يشتركوا في اللعبة بهمة ونشاط, وأن يظهروا البهجة عندما يصيب أحدهم, والأسى عندما يخطئ آخر.
والأطفال يختلفون في الأخلاق والميول. لكنهم سواء في حب الاستطلاع والقدرة على التذكر والرغبة في حل المسائل بأنفسهم.
وهم يحبون الاختراع وتمثيل المواقف, فيؤلفون ويؤدون تمثيليات قصيرة, يظهرون فيها " في حديقة الحيوان" أو " في المسرح" وإذا بدأ نمو الأطفال في وقت مبكر, وفي فترة مناسبة من حياتهم, فلن يرهقهم العمل في المدرسة فيما بعد, وبالتالي لن يتخلفوا.
وأهم شئ هو الطريقة التي نستطيع بها أن نجعل كل طفل ينمي قدرته على الخلق والإبداع, إذا تهيأت له الظروف الضرورية في الوقت المناسب.
وفي معظم الأحوال, يحاول صغار الأطفال أن يصنعوا الأشياء المألوفة في الحياة العادية, وعلى الأخص الأشياء التي يحبونها ولا يستطيعون أن يحصلوا عليها: مثل قطار أو طائرة أو سيارة أو هاتف أو عروسة أو بيت.
وابتكار الطفل في هذا المجال, إنما هو استجابة لحاجة معينة, لذلك فان هذا الإنتاج لا يكون نسخة مطابقة للأصل, لأن الطفل يجتهد بكل وسيلة أن يضيف إليه شيئا من عنده, حتى إذا انتهى من صنعه , استطاع أن يقول :" هذا ابتكاري".
إن المربيين يحاولون, عندما يلعب الأطفال, أن ينقلوا إليهم معارف ثقافية مناسبة. لكن إذا كان الطفل يلعب ليتعلم, فإنه أيضا يلعب لكي يبتكر ويكتشف نفسه.
إعداد:
- أ . يعقوب الشاروني - أستاذ زائر "أدب الأطفال" بقسم الدراسات العليا بكلية رياض الأطفال بالإسكندرية - والمشرف على باب الطفل بصحيفة الأهرام ومجلة نصف الدنيا - والرئيس السابق للمركز القومي لثقافة الطفل.