هناك عدد كبير من الآباء والأمهات, يهتمون بأن تكون هناك لعب كثيرة حول أطفالهم الصغار. لكن لابد أن نسأل أنفسنا عما إذا كانت هذه اللعب التي تملأ البيت, تساهم أو لا تساهم في نمو الطفل.
لنتأمل أحد أطفالنا الصغار وهو يلعب, ثم دعونا نسأل أنفسنا عما إذا كان يتناول بيديه أشياء منها الكبير ومنها الصغير ؟ .. وهل يتحسس أشياء فيها الصلب وفيها اللين ؟ .. هل يعرف ملمس الورق أو المنسوجات أو الخشب أو المطاط ؟ .. هل يمسك كرة ليس لها حواف ولا أركان, ثم يمسك مكعبا له كثير من الحوافي والأركان ؟.. هل نترك أطفالنا الصغار يكتشفون أنه يمكن للماء أن يتشكل كما يريد الطفل بمجرد وضع أصابعه في طريقه وهو يتسرب من الصنبور؟ هل يستمتع طفلنا بقدرته على أن يملأ الأواني الفارغة بالماء, وأن يفرغ الأواني المملوءة؟ وهل يعرف طفلنا أنه يمكن أن يجمع الرمل وأن يفرقه. وأن يشكل منه ما يريد من تكوينات؟ وهل يعرف أنه يستطيع استخدام الرمل ليخفي فيه الأشياء, ثم يعود ليجد هذه الأشياء مرة ثانية ؟.
ألعاب غنية من أشياء بسيطة
إن كثيرا من أدوات المنزل العادية والفوارغ البسيطة, تعتبر مولدا جيدة للعب الأطفال, متى تم غسلها جيدا, ونزع الأجزاء المدببة أو التي يمكن أن يفضلها الطفل ويلعب بها , وبعد إزالة الدهان الذي يمكن أن يمصه الطفل أو يمضغه.
إننا إذا أحطنا الطفل بمجموعة من علب الكرتون أو الصناديق الفارغة, فإنه يمكن أن يبني بها مختلف التكوينات باعتبارها قطعا للبناء وعبوات البلاستيك الفارغة يمكن قصها وقطعها لتصبح أوعية صالحة للعب بالماء, أو لنجعل منها لعبا مناسبة إن هذه الأشياء التي نتصور نحن الكبار أنها بسيطة, تقدم للطفل إمكانيات غنية متنوعة تساعده على النمو. لكن هذا يتطلب أن نتمكن نحن الراشدون الذين حوله, من إدراك أهمية هذه المواد للطفل.
حتى في الشهور الأولى
إن الطفل, حتى في الشهور الثلاثة الأولى بعد ولادته, يمكن أن يكتسب خبرة عن طريق ما يحيط به من أشياء. فإذا علقنا فوق سرير الطفل بعض الأشياء البسيطة, مثل كور ملونة بالأحمر والأصفر والأزرق, وأسطوانات من البلاستيك أو الخشب, وحلقات, وجلاجل, وعلبة أو زجاجة مغلقة بها بعض الحبوب الجافة, فإن الطفل عندما يفتح عينيه, سيرى الألوان ويراقب الأشكال, يصغي إلى الأصوات. وعندما يحرك ساقيه, أو عندما نهز له سريره , سيرى هذه الأشياء تتحرك فتتخذ أوضاعا جديدة. وسيستمع للأصوات فيجد لها رنينا أقوى وأوضح. وهذه كلها خبرات يمكن أن يبدأ الطفل في اكتسابها منذ شهوره الثلاثة الأولى, فتجعل إدراكه للألوان والأحجام والأشكال والأصوات والتفرقة بينها عندما يكبر, أسرع وأسهل.
وكثيرا ما تغمرنا السعادة ونحن نتابع بشغف نمو إدراك الطفل خلال شهور حياته الأولى. إن هذه المتابعة تؤكد لنا أننا أمام شخصية متكاملة حقا , تنمو وتتطور, وتكتسب الكثير من الخبرات.
فعندما يبلغ الطفل الشهر الثالث من عمره , تطول فترات استيقاظه , ويصبح منتبها بشدة لكل صوت أو حركة تحدث حوله.
يرفع رأسه ويتطلع
وفي حوالي الشهر الرابع, يستطيع أن يرفع رأسه ويتطلع حوله, وعلى الأم أن تضع طفلها, أثناء عملها في البيت بحيث تستطيع أن تراه, وأن تتحدث إليه, وبحيث يستطيع الطفل أن يرى ماحوله من ألوان وحركات, وأنه يستطيع أن يراقب أشعة الشمس والظلال وهي تتحرك فوق الستائر المتماوجة, ويمكن أن يتأمل تطاير بعض الشرائط الملونة المثبتة في سريره أو غرفته, كما يمكن أن نعلق حوله بعض الأشكال المصنوعة من البلاستيك أو الورق, وبعض الصور الملونة ندليها حول الطفل من خيوط يتلاعب بها الهواء.
رحلة داخل البيت
وبين حين وآخر, يمكن للأم أن تحمل طفلها , وتتمشى في أرجاء المنزل, وتتحدث إليه وتتيح له أن يلمس الأشياء التي يراها, مثل الستائر وخشب النوافذ والحوائط والأثاثات والسجاجيد وصنابير الماء ... أشياء ناعمة الملمس وأخرى خشنة .. أشياء دافئة وأخرى باردة .. أشياء صلبة وأخرى لينة .. لامعة أو براقة, تخشخش أو تزيق أو يصدر عنها رنين. إن إثارة الحوافز عن طريق رد فعل حواس الطفل بالنسبة لما يحيط به من أشياء, هو الطريق الأساسي لتكوين وتنمية حيوية الذكاء المتوقد.
يجلس ويفحص
وفي حوالي الشهر السابع, يستطيع الطفل أن يجلس دون مساعدة, كما يميل بشدة إلى فحص واختبار مختلف الأشياء بيديه. إنه ينقل الأشياء من يد إلى أخرى, ويتذوق بلسانه, ويتحسس الأشياء بلمسها, ويخبط على الأشياء ليستمع إلى أصواتها, ويسقط الأشياء من بين يديه ويتأملها وهي تسقط, ويستمع لما يصدر عنها من أصوات. ويجب أن نهيئ للطفل كل الإمكانيات ليستخدم هذه القدرات الجديدة جميعها, بأن نضع حوله وفي متناوله أشياء كثيرة مختلفة. وقد تكون هذه الأشياء أدوات منزلية أو فوارغ أو ألعاب نختارها بعناية.
إعداد:
- أ . يعقوب الشاروني - أستاذ زائر "أدب الأطفال" بقسم الدراسات العليا - بكلية رياض الأطفال بالإسكندرية - والمشرف على باب الطفل بصحيفة الأهرام ومجلة نصف الدنيا - والرئيس السابق للمركز القومي لثقافة الطفل.