للإعلانات التجارية آثارها الواضحة في تدعيم النزعة الاستهلاكية لدى الأطفال وتحريضهم على اقتناء ما قد لا يحتاجون إليه، أو ما لا يطيقه دخل الأسرة من أنواع الكماليات التي كثيرًا ما تكون ضارة بالصحة إذا اقتناها، أو أن تصيب الطفل بالإحباط إذا لم يستطع اقتناءها.

لعله من المفيد أن ننبه إلى أن كثيرًا من أولياء الأمور يضطرون بحكم ظروفهم، أو يفضلون أن يتركوا الطفل وشأنه مع جهاز التليفزيون أو الفيديو أو الكمبيوتر؛ ليشاهد ما يرغب فيه، ويكفيهم شر صياحه وشغبه الذي قد لا يكون له في كثير من الأحيان ما يبرره.

والعنوان ليس من عندي، بل هو مأخوذ عن برنامج تليفزيوني تذيعه منذ سنوات القناة الأولى لهيئة الإذاعة البريطانية الموجهة داخل بريطانيا، وعنوانه "شاهد مع مامي" ويستهدف الأطفال قبل سن المدرسة.
ولهذا البرنامج تشكيلات كثيرة مماثلة تذاع في كثير من التليفزيونات الغربية وبعض التليفزيونات العربية أحيانًا.

وهناك فرق بين هذا الشعار وشعار "اقرئي لطفلك"؛ ذلك أن القراءة لطفل ما قبل المدرسة ضرورة تحتمها عدم معرفة الطفل بالقراءة، وتعوده على التعامل مع الكتاب باعتباره من الركائز الأساسية للثقافة والتعليم، أما المشاهدة مع الطفل فتمثل ضرورة من نوع آخر. صحيح أن الطفل يظل دائمًا مشدودًا أو مبهورًا بالصورة التليفزيونية الملونة والمتحركة حتى دون أن يدرك مغزاها، أو أنه يدركه بطريقته الخاصة، وهو هنا لا يحتاج إلى من يشرح له أو يفسر.

وقد يهون الأمر لو أن طفل ما قبل المدرسة يقتصر على مشاهدة البرامج الموجهة له أصلاً، ولكن الذي يحدث في الواقع – كما دلت على ذلك عديد من البحوث وكذلك الملاحظات الشخصية – أن الطفل يشاهد من البرامج الموجهة أصلاً إلى الكبار أكثر مما يشاهده من البرامج المعدة له، والتي يُفتَرض أنها تستجيب لاحتياجاته ومستواه الثقافي.

والمسألة لا تتصل فقط بالبرامج الموجهة للكبار والتي كثيرًا ما تمتلئ بمشكلات وخلافات ومشاحنات وبجرائم من شتى الأنواع، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى أنواع شتى من المواد التليفزيونية.

كما أن الطفل لا يتعرض فقط للبرامج المنتجة محليًا في وطنه وتتحدث بلهجته، بل إنه كثيرًا ما يتعرض لبرامج مستوردة من الخارج، وقد دلت بعض البحوث على أن نسبة المواد اأجنبية المستوردة التي تذاع مستقلة في فترات برامج الأطفال، أو تدخل في تكوين هذه البرامج، تصل إلى أكثر من 75% من الوقت المخصص لهذه البرامج.

ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الطفل لا يتعرض فقط لبرامج الكبار وإلى كم هائل من المواد الأجنبية المستوردة، سواء في إطار قنوات التليفزيون، أو على شكل شرائط فيديو أو أقراص صلبة CD، بل إنه يتعرض في غالبية الدول العربية إلى الإعلانات التجارية (الإشهار) التي تذاع بين فقرات البرامج، ولهذه الإعلانات آثارها الواضحة في تدعيم النزعة الاستهلاكية لدى الأطفال وتحريضهم على اقتناء ما قد لا يحتاجون غليه، أو ما لا يطيقه داخل الأسرة من أنواع الكماليات، التي كثيرًا ما تكون ضارة بالصحة إذا اقتناها، أو أن تصيب الطفل بالإحباط إذا لم يستطع اقتناءها.

يضاف إلى هذا وذاك البرامج التليفزيونية الوافدة عبر الأقمار الصناعية. وهذه ظاهرة جديدة برزت خلال السنوات الخمس الماضية التي انتشر فيها استخدام الأقمار الصناعية على مستوى العالم، وعلى المستوى العربي، فقد تطورت تكنولوجيا الاتصالات الفضائية، بحيث أصبح في الإمكان بث برامج تليفزيونية تصل إلى المستقلين في الأقطار العربية بهوائيات تنخفض تكلفتها باستمرار، ويصغر حجمها. ونشطت المؤسسات التليفزيونية العالمية في هذا المجال، وبدأت تبث قنوات فضائية بلغات مختلفة، يعنينا منها هنا اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، بعضها يقدم خدمات متنوعة، وبعضها يقدم خدمات متخصصة في مجالات الأخبار والرياضة والشباب والأطفال، ويتخصص البعض في بث المواد الترفيهية من أفلام سينمائية وغيرها، وتصل كل هذه المواد إلى المنازل المستقبلة لها دون أية رقابة من جانب الدولة.

وقد نزل الإعلام العربي إلى هذا الميدان؛ حتى لا يترك المساحة خالية أمام القنوات الأجنبية، وأصبحت هناك شبكة أقمار صناعية "عربسات" التي بدأت عام 1985م، ومصرية "نايل سات"، التي بدأت عام 1988،وبدأت تستخدمها مع غيرها من الأقمار الأوروبية والدولية خدمات تليفزيونية عربية.
ورغم أن نسبة كبيرة من المواد الأجنبية التي توجه للأطفال تتضمن معلومات مفيدة في مجالات العلوم المختلفة، على الأخص فيما يتعلق بالحياة البرية وأعماق البحار وتربة الأرض وجسم الإنسان، كما أن البعض منها يقدم ترفيهًا ممتعًا للأطفال، كبرامج التحريك (الكارتون) والدمي ومسلسلات الأطفال والسيرك، إلا أن البعض الآخر يتضمن بطريق مباشر أو غير مباشر عددًا من القيم الضارة كالاعتماد على العنف وحل المشكلات بالقوة الفردية وتمجيد البطل الأمريكي الخارق وتزييف العلم ومظاهر العلاقات الاجتماعية والحياة.

وتحاول هيئات تليفزيونية وتعليمية عربية – لمواجهة هذا كله – زيادة الإنتاج المحلي لبرامج الأطفال والنابع من البيئة في إطار خطط محددة متناسقة مع الأنشطة الثقافية والتعليمية المختلفة، وزيادة حجم تبادل هذه المواد على المستوى القومي، ولكن هذا الجهد ما زال محدودًا، يقل عن احتياجات الطفل، وعن احتياجات القنوات التليفزيونية العربية ذاتها.
هذا فضلاً عما يذاع على قنوات التليفزيون من نشرات إخبارية لا يهتم بها الطفل عادة. ولكن بعض ما بها من مناظر القتل والعنف والحرائق لا بد أن يثير اهتمامه وفضوله.

وهنا لا بد من وقفة مع الأمهات والمعلمات والمسئولين عن تربية الطفل في سنوات عمره الأولى، سواء قبل المدرسة، أو في السنوات الأولى منها.
ولعله من المفيد أن ننبه هنا إلى أن كثيرًا من هؤلاء يضطرون بحكم ظروفهم، أو يفضلون أن يتركوا الطفل وشأنه مع جهاز التليفزيون أو الفيديو أو الكمبيوتر؛ ليشاهد ما يرغب فيه، ويكفيهم شر صياحه وشغبه، الذي قد لا يكون له في كثير من الأحيان ما يبرره.

وحتى إذا جاز هذا لبعضا لوقت، فهو لا يجوز لكل الوقت، بل لا بد أن تفسح الأم من وقتها بما يسمح لها بمشاهدة بعض البرامج مع الطفل، ليس لأن هذا يوفر له قدرًا معقولاً من الإحساس بالطمأنينة والشعور بدفء الأمومة فقط، بل لأنه السبيل إلى فهم كثير من شئون الحياة صحيحًا دون أن يشطح به خياله إلى تفسيرات غير صحيحة قد تضر بصحته النفسية وعلاقاته بالمجتمع.

  •  عليه أن يفهم أن الحياة فيها بعض الأشرار، ولكن أهل الخير كثيرون، ودائمًا ما ينتصر الخير على الشر.
  •  وعليه أن يتأكد من أن الخلاف بين الناس وارد، ولكن حل الخلافات يكون بالتفاهم والحوار وتقدير وجهة نظر الآخر، وليس عن طريق العنف.
  •  وعليه أن يدرك أن الطبيعة جميلة، وأنه بوسع الناس أن يحافظوا على جمالها ونظافتها، بل وأن يزيدونها جمالاً بالتعاون فيما بينهم.

المصدر:

  • مجلة خطوة العدد 18 ديسمبر 2002
  • أ. سعد لبيب - خبير إعلامي – مصر
  • Currently 211/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
71 تصويتات / 1507 مشاهدة
نشرت فى 29 يوليو 2009 بواسطة byotna

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,842,460

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك