تعتبر الأسرة هي العامل الأشد تأثيرًا في تشكيل شخصية الطفل، وتحديد معالم السلوك الاجتماعي لديه، وإن كان هناك عوامل أخرى تؤثر في الطفل اجتماعيًا ونفسيًا، مثل الأصدقاء، والجيران، ووسائل الإعلام، وغيرها.. إلا أن البيئة الأسرية تظل لها المكانة الأولى بين هذه العوامل، حيث إن العلاقة الانفعالية والاجتماعية بين الطفل وأفراد أسرته تجعل منهم عناصر لها دلالة خاصة في حياته النفسية.

تقوم الأسرة بدورها عن طريق ما يُسمَّى بالتنشئة الاجتماعية للطفل، والتي من خلالها يكتسب العادات والتقاليد، والتعاليم الدينية، والمعايير القيمية، وذلك من خلال عدة عوامل منها الثواب والعقاب، والملاحظة والتقليد، والتوحد مع الآخرين، كما سنوضح فيما بعد.

كيف تؤثر التنشئة الاجتماعية على سلوك الطفل؟
للإجابة على هذا السؤال، نتناول السلوك العدواني كنموذج للتطبيق.
تختلف النظريات في تفسير العدوان، البعض يؤكد على العامل البيولوجي، والبعض الآخر يؤكد على التعلم والاكتساب كمصدر أساسي له. والواقع أننا لا نستطيع إنكار تأثير أي من المصدرين، فالغضب يبدو شيئًا مشتركًا بين جميع البشر، ويمكن ملاحظته حتى عند صغار المواليد، حيث يتم التعبير عنه من خلال الرفس والضرب باليدين والرجلين. ومعنى ذلك أن هناك أساسًا بيولوجيًا للسلوك العدواني، أما متى وكيف يظهر ذلك السلوك كرد فعل لحالات الغضب أو تعبير عنها؟ فذلك يرجع إلى التعلم من خلال التنشئة الاجتماعية. فالطفل الذي يشاهد أباه يحطم كل شيء عندما ينتابه الغضب. يقوم بتقليد هذا السلوك العدواني.

أثبتت الدراسات أن الأطفال العدوانيين ينشئون في أسر يزداد فيها السلوك العدواني من أغلب أفرادها بدرجة أكبر من الأسر العادية. ومعنى ذلك أن من العوامل الهامة التي تنمي السلوك العدواني عامل الملاحظة والتقليد. فالآباء والأنداد والنماذج التليفزيونية يمكن أن يكونوا نماذج يحتذي بها الطفل.

ينمو العدوان لدى الطفل أيضًا عن طريق التدعيم. قام باندورا Bandura وزملاؤه بدراسة عرضوا فيها على أطفال في سن الروضة أفلامًا كان فيها الشخص العدواني يُعاقَب أو يُكافَأ على أفعاله العدوانية. أظهرت نتائج الدراسة أن الأطفال الذين شاهدوا أفلامًا يكافأ فيها الشخص على سلوكه العدواني، أظهروا استجابات عدوانية أكثر من الأطفال الذين شاهدوا أفلامًا يعاقب فيها الشخص العدواني.

ويمكننا أن نلاحظ ذلك من خلال مواقف واقعية في المنزل، فالأم التي ترضخ لطفلها حينما تنتابه نوبة غضب يعبر عنها بسلوك عدواني ككسر شيء، أو رمي لعبته بعيدًا، أو ضرب أخته.. فإنها بذلك تدعم – ولو بشكل ضمني – هذا السلوك العدواني، وتشجيع الطفل على اللجوء إليه مرة أخرى لتحقيق رغباته.

ومن الآباء من يشجع الطفل صراحة على العدوان، كأن يطلب منه "اللي ياخد منك حاجه اضربه" وفي بعض الأسر الذكورية يشجع الآباء الطفل على ضرب أخته الأصغر أو أخته "البنت" أو على الأقل يرضى عن هذا السلوك ظنًا منهم أن ذلك يحقق له الرجولة والسيطرة مستقبلاً.

علاوة على ذلك، فإن الثقافة التي نعيش فيها تجعل من القوة والخشونة والتحمل صفات أساسية للذكر، ومن النعومة صفة أساسية للأنثى. مثل هذه التوقعات الثقافية هي التي تدعم الفروق بين الجنسين من حيث السلوك العدواني، فنجد الولد أكثر عدوانية من البنت.

كما أن هناك عوامل أخرى تساعد على نمو السلوك العدواني، فالأطفال الذين يتلقون القليل من الحب والرعاية والاهتمام في الأسرة، أو الذين يعنفون وينتقدون بشدة، يكونون أكثر عدوانية في علاقاتهم بالآخرين.

كيف يمكننا الحد من هذا السلوك العدواني أو توجيهه إيجابيًا؟
أثبتت كثير من الدراسات أن عقاب الأبوين للطفل على سلوكه العدواني لا يؤدي إلى التقليل منه، إذ يبدو أن الآباء الذين يستخدمون العقاب البدني نما يجعلون من أنفسهم قدوة أو نموذجًا عدوانيًا يقلده الطفل أو يتوحد معه.

ومن هنا كان لا بد من البحث عن طرق أخرى، منها:

  •  أن يجعل الآباء من أنفسهم قدوة حسنة لأطفالهم بأن يتحكموا في انفعالاتهم والتعبير عن غضبهم أمام الأطفال، خاصة في سنوات التكوين الأولى، التي يقوم فيها الطفل بالتقليد الأعمى.
  •  إن لم يكن بمقدورنا التحكم في البرامج التليفزيونية وأفلام العنف، فعلى الأقل يمكننا متابعة أطفالنا وخلق اتجاه نقدي بداخلهم تجاه هذه الأفلام وتوضيح الواقعي والخيالي فيها، وتحليلها بشكل يكَّون لهم اتجاهًا سلبيًا نحوها.
  •  تدعيم السلوك الإيجابي الذي يقوم به الطفل، مثل: التعاون، والتسامح، والمشاركة الاجتماعية،... فمثلاً إذا قام الطفل بمساعدة أخوته في أداء شيء ما أو كف عن الشجار معهم بمجرد توجيهه لذلك، على الآباء تدعيم هذا السلوك مباشرة – ولو بأشكال بسيطة – كان يحصل على شيء يحبه، أو يزور مكانًا يجب زيارته، إضافة إلى التدعيم المعنوي له أمام إخوته، فذلك يساعده على ثقته بنفسه، وإحساسه بالكفاءة وإعلاء شأنه، خاصة إذا أوضح له الأب أو الأم أن هذا التدعيم مقابل ما قام به من سلوكيات إيجابية.
  • على الجانب الآخر، إذا قام الطفل بسلوك عدواني أو أي سلوك سلبي آخر، مثل: ضرب أحد إخوته، أو كسر شيء تعبيرًا عن غضبه، أو إيذاء نفسه.. علينا أن نفهم أن هذه السلوكيات قد تكون نتيجة لإحباط الطفل المتكرر (كأن يرى الطفل أخاه الأكبر يقوم بعمل ما يناسب سنه، فيحاول الطفل تقليده فيفشل، يصطدم بعجزه وعدم قدرته، خاصة إذا قام أحد أفراد الأسرة بالتعليق على ذلك بشكل سلبي، فينال من كبريائه. أو كأن يعاني الطفل من مضايقة أحد أخوته له، ومع الإنذار المتكرر له وتوجهه بالشكوى لأمه، فإنه لا يجد مردودًا إيجابيًا، فيضطر للتصرف بنفسه).

 

قد تكون هذه السلوكيات وسيلة طفلية لجذب الانتباه والاهتمام، فليس من الغريب علينا أن نجد طفلاً وقد انشغلت عنه أمه لأي سبب من الأسباب، يقوم بعمل الشغب والضوضاء والشجار مع أخوته أو اختلاق أي شيء يلفت إليه انتباه أمه المتناسية له. من ثم يجب على الآباء التصرف بحكمة، واحتواء الطفل والاهتمام بمشاكله، علاوة على العقاب المعنوي الذي يكون له رد فعل إيجابي عن العقاب البدني، كإهمال الطفل بعض الوقت، أو حرمانه من شيء يحبه، أو ممارسة هواية أو لعبة بعثرها أو كسرها، مع توضيح الأم له أن ذلك مقابل ما قام به من أفعال، وأنها أصبحت لا تحبه حتى يقلع عن هذه السلوكيات السيئة.

غمر الطفل بالحب والحنان والرعاية التي تتطلبها هذه المرحلة، ومحاولة شغل وقت فراغه بأنشطة إيجابية تحتوي طاقاته، ومهاراته، ويحقق بها ذاته، والكف عن التعنيف المستمر له وإلقاء الأوامر كثيرًا؛ حتى لا يتسبب ذلك في تبلد إحساسه وعدم اهتمامه بالأوامر الهامة.

المصدر:

  • مجلة الأم والطفل العدد 16 ديسمبر 2002
  • رضوى فرغلي - باحثة نفسية – مصر
  • Currently 310/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
104 تصويتات / 5945 مشاهدة

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

21,349,851

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك