إن الضرب التأديبي هو عدائية بيولوجية مُوجَّهة من أحد الوالدين نحو طفله، تحط من احترام الطفل لذاته، تؤذي حماسه، وتولد الغضب والعصيان وعدم التعاون لديه، فعندما يقوم الطفل بارتكاب خطأ ما، يلجأ الأب أو الأم إلى الصراخ، ومن ثم قد يمتد ذلك إلى الضرب بشكل غريزي، ويتعزز سلوك الأب أو الأم هنا بنصيحة تقليدية، من قِبَل كثير من المتطوعين الذين مارسوا هذا السلوك، أنه علينا أن نضرب الأطفال حتى يُحسنوا سلوكهم.

رعاية الأطفال أمر تمليه الفطرة الإنسانية، لأن الأطفال من أجل نعم الله تبارك وتعالى، فهم زينة الحياة الدنيا، ويقول تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾ سورة الكهف 46، وهم منحة الله سبحانه وتعالى وعطاؤه ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ سورة الشورى 49 و 50 لقد فرضت الشريعة الإسلامية حماية للطفل، تفوق المواثيق الدولية والقوانين الوضعية، من مثل حمايته وهو جنين وهو رضعي وحقه بالإرث وبالاسم، فنحن هنا لا نتكلم عن موضوع مستورد أو بهدف التشبه بالغرب، بل عن موضوع يمس كل طفل في مجتمعنا العربي.

حاجات الطفل تكمن في ضرورة ارتباطه بالوالدين أو أحدهما على الأقل، والنموذج المثالي لمهام الأمومة والأبوة، أن يقوم راعي الطفل بتوفير الحاجات الأساسية من طعام وشراب، ورعاية صحية، وحماية وعطف وحنان، بالإضافة للتشجيع والتعليم والضبط والتربية، وكذلك ذلك بما يتناسب مع المراحل المختلفة للطفولة وللمراهقة، وكذا أن يكون الوالدين النموذج السلوكي للطفل في العلاقات وتحديد الهوية والتفاعل مع الأحداث والمواقف، ونموذجًا للأبوة والأمومة السوية، إلا أن الإساءة للطفل تتولد إذا كان التعامل مع الطفل متناقضًا مع مهام الأمومة والأبوة هذه، ويحكم ذلك اختلاف الثقافات وتفاوت الأزمنة، مما يجعل الإساءة للطفل موجودة في كل المجتمعات والطبقات وفي كل البلاد، وقد تكون من قِبَل الوالدين أو من يقوم مقامهما، وقد تكون بفعل مباشر كالضرب، أو بفعل غير مباشر كالإهمال أو كليهما، وقد تأخذ شكل إساءة جسدية، جنسية، أو عاطفية، ومن الممكن أن تكون منفردة أو مجتمعة، ويرافق أي شكل من أشكال الإساءة الأذى النفسي للطفل.

ما مدى انتشار الضرب التأديبي والعقاب الجسدي للأطفال؟
للأسف الشديد, أظهرت دراسات عديدة أن أغلبية الناس يعتقدون أن الضرب التأديبي ليس فقط جيدًا، بل هو أساس لتنشئة الأطفال؛ حيث أن 90% من الآباء يضربون الأطفال لغاية 5 سنوات بمعدل 3 مرات أسبوعيًا، وأن 52% من الأطفال الذين أعمارهم 13 أو 14 سنة يُضربون عادة، وأن 20% من الطلبة في المرحلة الثانوية يضربون عادة من قبل آبائهم. كما وأن 60% من الآباء يضربون أولادهم بالصفع على الوجه أو على اليدين أو المؤخرة وأن 20% يقومون بدفع الطفل أو بحمله من أحد أطرافه بعنف، وأن 15% يستخدمون العصا أو أية أداة منزلية لتأديب الطفل، وأن 10% منهم يقومون عادة ما بقذف جسم ما، صادف ن يكون بيدهم على الطفل.

ما الحد الفاصل بين تربية وتأديب الطفل وبين الإساءة الجسدية إليه؟
من غير المستطاع تحديد حد فاصل بين تأديب الطفل بالضرب وبين الإساءة الجسدية إليه، وهذا قائم على عدم عدالة هذا السلوك وخلوه من أي منطق عقلاني، فعندما تتولد العدائية البيولوجية، ويقوم شخص بالغ بضرب شخص بالغ آخر، لأي داعٍ كان، وإن كان قريبه أو زوجه، يتفق الجميع على أن هذا فعل متخلف غير حضاري وهو محرم قانونًا، وإذا قام طفل بضرب شخص بالغ، فبالإضافة لكونه جريمة قانونًا في أغلب الحالات، فهو عيب اجتماعي أن يتطاول الصغير على الكبير، وأن يقوم طفل بضرب طفل آخر، وإن كان شقيقه، فهذا مؤشر على قلة أدبه وعدم تربيته ويستحق كل أنواع العقاب، وأما عندما تتولد العدائية البيولوجية، ويقوم بالغ بضرب طفل، فتنعكس المقاييس وتظهر الازدواجية، ويصبح ذلك تربية وتأديبًا، وقد يسمح لك القانون بذلك.
 
هل العقاب الجسدي للطفل فعّال؟ وما عواقبه ومضاره.. ومتى يصل إلى درجة الإساءة؟
إن العقاب الجسدي للطفل غير فعّال وهناك عواقب ومضاعفات حقيقية للضرب التأديبي والبحث بها يظهر ما يلي:

  • أولاً: العقاب الجسدي للطفل بكل أشكاله، وبأي مدى لشدته، وبغض النظر عن أي محاولة لتبريره أو تلميعه، هو طريقة غير فعَّاله لتعديل السلوك من الناحية النفسية؛ حيث إن ضرب الطفل قد يجعله يتجنب السلوك السيئ مؤقتًا، إلا أن التزام الطفل بهذا السلوك هو لفترة وجيزة، وسيولد لديه خوف من أن يشاهد وهو يرتكب الخطأ، فيلجأ للقيام به سرًا؛ حيث إن الضرب لن يعلم سلوكًا جديدًا، ولن يعلم السيطرة على النفسي، بل على العكس وعلى المدى البعيد، فإن الضرب سيترك عند الطفل سلوك العصيان وعدم التواصل الحضاري مع الآخرين، وتدني مستوى احترام الذات والكآبة.
  • ثانيًا: التأديب بالضرب هو الطريق لسالك دائمًا باتجاه الإساءة الجسدية للطفل، ولأن الضرب فعَّال بشكل مؤقت، يجعل ذلك الأب أو الأم يضربا بجرعة أشد، كلما عاد الطفل وأخطأ مرة أخرى، وبذلك يصبح العقاب الجسدي هو الاستجابة القياسية للسلوك السيئ، مما يزيد من شدة الضرب ويزيد من تكراره بشكل يتجاوز العرف المقبول عند بعض الأشخاص، وتشير الأبحاث إلى أن ما يزيد على 85% من جميع حالات الإساءة الجسدية للأطفال ناتجه عن فرط التأديب وعن العقاب الجسدي.
  • ثالثًا: يؤدي العقاب الجسدي بالضرب إلى أذى غير متوقع، فالصفع على الوجه قد يؤدي مثلاً إلى ثقب طبلة الأذن، ورج الطفل قد يؤدي إلى ارتجاع الدماغ والعمى أو الوفاة، والضرب المباشر وبأي وسيلة كانت قد يضر بالعضلات وبالأعصاب، بالأعضاء التناسلية، أو بالعامود الفقري، وحتى ضرب الأطفال على ظاهر اليدين يؤذي المفاصل والأوعية الدموية الدقيقة، وقد يؤدي إلى حدوث التهاب المفاصل الصغيرة بعد عشرات السنين، وقد ينتج عن سقوط الطفل عند تعرضه للضرب إصابات شديدة في جسمه.
  • رابعًا: الضرب التأديبي هو عملية تدريبية منظمة لتعليم الطفل العنف، حيث يتعلم مبدأ أنه من المقبول أن يستخدم القوي قوته ضد الضعيف، وأنه من الطبيعي أن تحل المشاكل بواسطة العنف، وتتعزز هذه الفكرة بعملية التكرار من قبل شخص محبوب ومرغوب به، ويؤدي ذلك إلى تولد سلوك تعامل عنفي بين الطفل وأشقائه ومع زملائه في المدرسة، ومع زوجته مستقبلاً ومن ثم مع أطفاله.
  • خامسًا: أثبتت الدراسات أن اللطم أو استخدام القوة على مؤخرة جسم الطفل هو نوع من أنواع الإساءة الجنسية للطفل، التي قد تولد شعورًا بلذة مختلطة بالألم.
  • سادسًا: أظهرت الدراسات أيضًا أن هناك زيادة لاحتمالية تولد الشخصية العدائية للمجتمع، الجنوح، والإجرام لدى الأطفال الذين يتعرضون للضرب التأديبي أكثر من غيرهم.

مما سبق يتضح أن العقاب الجسدي للطفل غير فعَّال، ولا يوجد أي حد فاصل بين التأديب الجسدي للطفل وبين الإساءة إليه، وإن أي عنف نحو الطفل، ومهما كانت شدته قليلة، هو تعدًّ على حقوقه.

هل هناك بديل عن الضرب التأديبي في مجال تربية الطفل؟
هناك بديل دائمًا عن الضرب التأديبي، فعند توفير الوالدان لظروف وقائية مناسبة للطفل مسبقًا، يقلل ذلك احتمالية تعريضه للضرب، وعند توافر هذه الظروف ليس عليك كأب أو أم أن تقول "لا للطفل كل الوقت، وليس على الطفل أن يمر بظروف تغريه لارتكاب الخطأ، بإمكانك أن تكافئ السلوك الجيد للطفل بالمدح وأن تشعره بذلك بطرق عملية، وكن واقعيًا في توقعاتك من الطفل، وضع أقل عدد ممكن من القواعد، على أن تكون منطقية ومناسبة لعمره.

السيطرة على الغضب بترك المكان:
إذا كنت تشعر بالغضب، وفقدان السيطرة على سلوكك، وتشعر أنك ترغب بضرب أو صفع طفلك، حاول أن تترك المكان المتواجد به الطفل من فورك. إذا كان بالإمكان ذلك، سيطر على مزاجك، وعند دخولك في فترة الهدوء، ستجد الحل البديل، غير العنفي، للتعامل مع المشكلة، فقد يكون مولد الغضب ليس الطفل بل توتر خارجي في المنزل أو في العمل.

قد يقوم الآباء بضرب الأطفال عندما لا يصغي الطفل للطلبات المتكررة بتحسين سلوكه، وأخيرًا لا يجد الأب أو الأم مفرًا من ضرب الطفل ليسلك سلوكًا جيدًا، ولكن الحل المثالي هو أن تتواصل مع الطفل بالنظر في عينيه مثلاً، وأخبره بصوت حازم وجملة قصيرة ما تريد منه أن يفعله، كن لطيفًا وحازمًا في الوقت نفسه.

استخدم العواقب المنطقية لسلوك الطفل:

أي عَلَّم الطفل تحمل المسئولية فإذا ارتكب خطأ ما، وقمت بضربه، فقد يتعلم الطفل أن لا يعيد ذلك مرة أخرى، هذا يبدو جيدًا، لكن تذكر أن هذا الضرب سيعلم الطفل أيضًا أن يخفي أخطاءه لتجنب تكرار العقاب، أو أن يضع الملامة على أشخاص آخرين، أو قد يعلَّمه الكذب، أو أن يخفي كل ما حدث، أو قد يشعر بذنب كبير أو بغضب شديد، وحتى قد يقوم بالانتقام من والديه بطريقة أو بأخرى، فهناك فرق بين تعديل سلوك الطفل لأنه يخاف من الأب وبين تعديل سلوك الطفل، لأنه يحترم الأب، والمنطقي أن يشارك الطفل في إصلاح العواقب التي نتجت عن فعله، حيث يتغير التركيز من الخطأ بحد ذاته إلى تحمل المسئولية بإصلاح الخطأ، ولا يشعر الطفل بالغضب أو الانتقام، واحترام الطفل لذاته لن يتأثر.

هل الحديث في مجال حماية الطفل من الإساءة يُعتبر تدخلاً في حرية الوالدين وفي حقهما بتربية أولادهما؟
هناك اتفاق على حق الوالدين بتربية الطفل، وعلى واجب الأمومة والأبوة لتلبية حاجاته، مما يعطيه فرصة جيدة للنمو الجسماني، والنضج النفسي والاجتماعي، حتى يتمكن من الاعتماد على نفسه مستقلاً في مستقبل حياته، وقد لا يكون من المتوقع أن يلبي الوالدان احتياجات الأبناء بكل أشكالها في كل الأوقات، ولكن المتوقع، وبشكل مؤكد، أن لا يكون لأي إنسان يعتني بطفل تأثير سلبي على تطوره ونموه، بإساءة استخدام حقه بتربيته، ونرى مما سبق، أن الحديث في مجال إساءة معاملة الأطفال وحمايتهم ليس تدخلاً في حق الوالدين أو واجبهم، بل هو نوع من المشاركة الإيجابية معهما، لضمان تطور ونمو الطفل وحمايته وبالتالي حماية الإنسان والمجتمع.

المصدر:

  • مجلة خطوة العدد 28 - مايو 2008
  • د. هاني جهشان - استشاري الطب الشرعي – الأردن
  • Currently 402/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
137 تصويتات / 4159 مشاهدة
نشرت فى 26 مايو 2009 بواسطة byotna

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,868,965

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك