أ- مقدمة في أهمية العلاقات الإنسانية والاجتماعية في حياة الإنسان:

1- العلاقات الأفقية والعلاقات الرأسية في حياة الصغير:
يحتاج الطفل في سياق نموه الاجتماعي إلى أن ينمي نوعين مختلفين من العلاقات، إلى حد ما، العلاقات الرأسية والعلاقات الأفقية، أما الرأسية فتتضمن أن يرتبط الطفل بشخص ما له نفوذ وتأثير اجتماعي، ويملك القدرة والمعرفة مثلا لوالد أو المعلم أو الأخ الأكبر، وهي علاقات توصف بأنها مكملة وتكميلية، ولكنها ليست تبادلية. وربما تكون هذه العلاقات قوية جدًا من خلال الاتجاهين، ولكن السلوك الفعلي الذي يظهره كل طرف نحو الطرف الآخر مختلف، فالطفل يكافح لكي يلفت الانتباه، والوالد يقدم الرعاية.
وأما العلاقات الأفقية فهي تبادلية، وتقوم على أساس المساواة؛ لأن أطراف هذه العلاقات من السن نفسه، ولديهم الإمكانات نفسها، من حيث القوة والنفوذ تقريبًا، وسلوك كل منهم نحو الآخر يعتمد على الحاجة إلى الاستئناس والصحبة.

والطفل يحتاج إلى أن ينمي علاقات رأسية وأفقية إذا كان له أن ينمو نموًا اجتماعيًا سليمًا؛ لأن لكل نوع من العلاقات وظيفة تختلف عن وظيفة الآخر، والعلاقات الرأسية (علاقة الطفل بوالديه وبالكبار) ضرورية؛ لأنها توفر للطفل الحماية والأمن، وفي العلاقات الأفقية (علاقته بأقرانه) يتعلم الطفل كيف يمارس العلاقات الاجتماعية، مثل تعلم سلوك التعاون وسلوك المنافسة والسلوك الدال على الألفة.

2- الروابط الوجدانية بين الطفل وأسرته:
الإنسان كائن اجتماعي، لأنه لا يستطيع أن يعيش بمفرده، خاصة في بداية حياته. إذ يكون عاجزًا بصورة كبيرة، خاصة إذا قارناه بأطفال كثير من الحيوانات، ولكن هذا العجز عجز ظاهري وغير حقيقي؛ لأنه يخفي وراءه إمكانات هائلة وكامنة تعمل التنشئة الاجتماعية على إخراجها إلى حيز الإمكان والتنفيذ.

والذي يهمنا في هذا السياق هو الإشارة إلى أن أول وأهم علاقات في حياة الطفل وأكثرها خطرًا وتأثيرًا في تشكيل سلوكه وشخصيته هي علاقته بأفراد أسرته، خاصة علاقته بالأم. ونحب أن نشير هنا إلى أن العلاقات التي تنشأ بين الطفل والقائمين على رعايته لها تأثير في الاتجاهين، فالذي يبدو لنا أن الطفل هو الجانب السلبي الذي يتأثر بالوالدين وبالقائمين على رعايته في الوقت الذي لا يؤثر فيهم، ولكن الحقيقة أن الطفل يؤثر في الوالدين أيضًا.

وتنشأ مجموعة من الروابط الوجدانية بين الطفل ووالديه، خاصة الأم، وتبدأ منذ الأيام الأولى من عمره الطفل، وهي الروابط التي تعتبر الأساس في الحياة الوجدانية والحياة الاجتماعية السوية للطفل فيما بعد. ويطلق العلماء على المشاعر التي يكونها الطفل نحو أمه مصطلح "التعلق"، وتتضح مشاعر التعلق عند الطفل في الشهر السادس أو مع بداية النصف الثاني من العام الأول، ويمر التعلق عند الطفل في الشهر السادس أو مع بداية النصف الثاني منا لعام الأول، ويمر التعلق بمراحل، حتى يصل الطفل إلى المرحلة التي يدرك فيها الأم "كقاعدة آمنة"،وهو ما يحدث في الشهر السادس تقريبًا عند معظم الأطفال.

والطفل عند هذه السن يتخذ من الأم أو من يقوم مقامها قاعدة آمنة، ينطلق منها ليكتشف العالم المحيط به، فهو يثق أن هناك مصدرًا قويًا للحنان والحب والعطف متاح لديه، وأنه يستطيع أن يطمئن إلى وجود هذا المصدر بشكل مستمر ودائم، وعليه أن ينطلق آمنًا لتعرُّف البيئة المحيطة به حبوًا أو زحفًا، ثم يعود إلى قاعدته الآمنة، وهذا يعني أن الطفل إذا لم يستشعر الأم كقاعدة آمنة نتيجة عدم حصوله على ما يحتاجه من عاطفة إيجابية خالصة، فإنه يكون طفلاً مذعورًا خائفًا، ويكون أقرب إلى سلوك الخوف وعدم الثقة والتشاؤم والازدراء.

وينشأ في هذه السن انفعالان سلبيان عند الطفل، هما الخوف من الغرباء، والقلق من الانفعال. وهما انفعالان عامان يحدثان لكل الأطفال بشكل ما وبدرجة ما. ويعني الخوف من الغرباء – وهو ما يحدث في النصف الثاني من العام الأول وبعد حدوث التعلق – أن الطفل يدرك والدته جيدًا ويتعلق بها، وثمن ثم فإنه يرى الآخرين غرباء لا تربطه بهم روابط عاطفية أو وجدانية، أو هم على الأقل موضوعات غير مألوفة له في عالمه الذي ما زال محدودًا، فإن قلق الانفصال يعاني منه الطفل الذي لم يدرك أمه كقاعدة آمنة؛ لأن إدراك الأم كقاعدة آمنة يعني أن الأم باقية كمصدر للحنان والعطف، حتى ولو غابت عن الطفل لفترة من الزمن، أما الطفل الذي لم يخبر العاطفة المستمرة الخاصة مع الأم، ومن ثم لم يدركها كقاعدة آمنة، فإنه ينزعج جدًا إذا غابت أمه عنه، ويمكن أن يتصور أن هذا الغياب سيطور؛ ولا يعرف متى سينتهي؛ لأنه سبق وأن خبر غيابها المفاجئ والطويل نسبيًا، ولا يشعر في مجمل علاقته بها الأمن والطمأنينة.

وما نريد أن نؤكده هنا هو أهمية الروابط الوجدانية التي يكونها الطفل، أو يستشعرها نحو والديه، خاصة الأم، وهو ما أشرنا إليه تحت عنوان تعلق الطفل بالأم، وما يخبره أيضًا من خوف من الغرباء "المغايرين" للأم ولأفراد الأسرة، وكذلك قلقه من الانفصال عن الأم وافتقاده لها. وهذه المشاعر (التعلق – الخوف من الغرباء – قلق الانفصال عن الأم).

من العوامل الأساسية في احتمال نشأة الشعور بالغيرة عند الطفل، فبقدر ما يكون تعلق الطفل بأمه قلقًا غير آمن، وبقدر خوفه الشديد من الغرباء، وقلقه الزائد من احتمال الانفصال عن الأم، يكون عرضه لخبرة مشاعر الغيرة.

ب- انفعال الغيرة عند الأطفال:

الغيرة ليست انفعالاً بسيطًا، ولكنها انفعال مركب من عدد من الانفعالات، فهي تنشأ من تفاعل الإحباط والقلق، والإحباط هو الفشل في تحقيق الرغبة، ويمتزج هذا الفشل بالقلق من فقدان حب الوالدين وعطفهما، ويرى البعض أن الغيرة انفعال يترتب على درجة عالية من "حب التملك" لشيء معين، ثم "الشعور بالغضب" للفشل في الحصول على هذا الشيء، وإذا ما حدث هذا الفقدان على أرضية من "ضعف الثقة بالنفس" أو الشعور بالنقص تولد الشعور بالغيرة، أي أن الغيرة تجمع بين الثلاثي: حب التملك والشعور بالغضب والشعور بالنقص معًا.

وغالبًا ما تثور الغيرة عندما يشعر الطفل أن مكانته عند والديه مهددة، أو حقًا من حقوقه أو ما يعتقد أنه حق من حقوقه قد سُلب منه وأعطى لآخر. والغيرة شعور داخلي يشعر به صاحبه، وقد ينجح الفرد في إخفائها، وقد لا يستطيع، ويظهر على سلوكه الخارجي ما يدل عليها. والغيرة عنصر متضمن في كثير من المشكلات التي يتعرض لها الأطفال.

فكل المشكلات التي سيتعرض لها الطفل وتشعره أنه دون غيره أو أنه أقل من الآخرين تتضمن الغيرة. فالطفل الذي يفشل في ضبط عمليات التبول والتبرز، والطفل الذي يفشل في التعبير عن نفسه عن طريق النطق الصحيح بالألفاظ، كل منهما يشعر بالغيرة. كذلك فإن الطفل الذي يعبر عن نزعة عدوانية غالبًا ما يعاني من شعور بالغيرة، والطفل الذي يميل إلى السلوك التجريبي يشعر كذلك بالغيرة.

ويرى معظم علماء النفس الذين يهتمون بالنمو النفسي للطفل أن الشعور بالغيرة شعور يكاد يكون طبيعيًا عند طفل ما قبل المدرسة (قبل سن السادسة). فليس هناك طفل لم يشعر بمشاعر الغيرة في بعض المواقف. ولكن مع استمرار نمو الطفل معرفيًا وانفعاليًا واجتماعيًا وزيادة إدراكه لما حوله من مواقف وأحاكم وأوضاع وحقوق وواجبات للآخرين، تختفي مشاعر الغيرة. ويحل محلها إدراك واقعي للأمور. ولكن بعض الأطفال؛ لعوامل تربوية ولظروف تنشئة معينة – سنتعرض لها في القسم القادم من هذا الحديث – تبقى معهم مشاعر الغيرة، وتصبح صفة مميزة لهم.

والشعور بالغيرة شعور مؤلم، ويجعل صاحبه شاعرًا بعدم الارتياح. ويُلاحَظ عادة أننا لا نجد من يعترف بالغيرة صراحة، ويعبر عن هذه المشاعر بطريقة لفظية صريحة، بل الأقرب إلى المشاهد أن من يغار ينكر هذا الشعور؛ وذلك لأن الاعتراف بالغيرة يتضمن الاعتراف بالحطة والضعة وانخفاضًا في قيمة الذات،وهو الشعور الكريه الذي لا يريد أن يعترف أحد به، صغيرًا كان أم كبيرًا. وإذا كانت الغيرة تجعل الطفل شقيًا بعيدً عن الشعور بالسعادة وبعيدًا عن الصفاء والنقاء، فإن استمرار هذه المشاعر يجعل منه راشدًا تعيسًا أيضًا، ويضع العراقيل أمام قدرته على التوافق في حياته المهنية والاجتماعية، بل والشخصية، ولذلك فإننا نقول إن الاستعداد للغيرة عند الكبار ينشأ في الصغر.

قلنا إن الطفل يحاول قمع الغيرة وعدم الاعتراف بها؛ لأن الاعتراف بها اعتراف بما يكره وبما يشعره بالذلة والهوان، وهو ما نستدل منه على وقوع الطفل في مستنقع الغيرة. ويمكن أن يعبر الطفل عن غيرته بأي من الأساليب السلوكية التي تدل على الغضب والعدوانية من صراخ وضرب وسب، كما يمكن أن يعبر عن الغيرة بالصمت أو التهجم، وقد يعبر عنها بالخجل والشعور بالحرج، وقد يعبر عنها بالامتناع عن الأكل أو فقدانه للشهية للطعام بالفعل، وقد يعبر عنها بالسلوك المضاد لما يرغب، مثل الطفل الذي يحاول تقبيل أخيه الأصغر وملاطفته أمام أمه؛ ليريها أنه يحب الأصغر كثيرًا. وقد الحالات التي تتمكن الغيرة من الطفل في الوقت الذي يستطيع فيه أن يعبر عنها بشكل ما، قد تترك الغيرة علامات على الطفل على شكل أعراض جسمية، مثل الشعور بالصداع أو التعب أو حتى نقصان الوزن.

وإذا أردنا أن نشير إلى الفروق الجنسية بين أطفال ما قبل المدرسة في الشعور بالغيرة والتعبير عنها، فإننا نتوقع أن تشيع الغيرة بين البنات أكثر مما تشيع بين الصبية. وهذا التوقع يعتمد على أن البنات في مجتمعاتنا ما زلن أقل استقلالية عن الأسرة وأكثر اعتمادية على الوالدين من البنين. ومن ثم فهن أقرب إلى الشعور بالغيرة. إضافة إلى أن البنين في كثير من المجتمعات – ومنها مجتمعاتنا الشرقية – يحصلون على حقوق ومزايا أكثر مما يحصل البنات؛ مما يجعلهن أكثر عرضة للشعور بالغيرة قياسًا إلى البنين. وحديثنا عن الاستقلال والاعتمادية وعلاقته بالغيرة يجعلنا نتوجه بالسؤال عن كيفية نشأة شعور الغيرة، أو عن العوامل التي عساها أن ترتبط بنمو هذا الشعور، وهو موضوع القسم التالي من الحديث.

ج- كيف تنشأ الغيرة؟

عندما يدخل الطفل عامه الثالث، وهو بداية مرحلة الطفولة المبكرة أو مرحلة ما قبل المدرسة (3 – 6) يكون قد أتقن ثلاثة من جوانب السلوك على جانب كبير من الأهمية في مسيرة نموه، وهي الكلام الفطام والمشي. فهو يستطيع أن يتكلم ويعبر عن نفسه مثلما يفعل الكبار، كما يأكل الآن مع الكبار، وكما يأكلون، وهو يمشي ويتنقل مثلهم في المكان، وهو ما يجعلنا نقول إن الطفل مع بداية عامه الثالث يدخل مرحلة جديدة من حياته النفسية، وهي العوامل أيضًا التي تجعل الطفل يزداد شعوره بذاته وإدراكه لقدراته، مما يعبر عنه علماء النفس بنمو مفهوم الذات.

ويبدأ الطفل في هذه السن في الانتباه إلى ذاته ككيان منفصل عن الوالدين مستقل بذاته له رغباته الخاصة، وتنمو لديه نزعة "التمركز حول الذات"، وأثر هذه النزعة في سلوك الطفل أنها توجهه إلى الحرص على تحقيق رغباته بصرف النظر عن متطلبات الموقف أو رغبات الآخرين. كما أنه لا يفهم بعد معنى التأجيل والانتظار، فهو طفل "آني"، أي أنه يريد أن تُلبَّى رغباته بمجرد أن يشعر بها. أو أن يصرح برغبته في إشباعها؛ مما يثير غضبه وحنقه على الوالدين كثيرًا؛ لأنهما لا يلبيان رغباته على نحو فوري كما يريد.

هذه النزعة المتمركزة حول الذات هي التي تدفع إلى الرغبة في الإشباع السريع وتحقيق كل رغباته بدون النظر إلى الاعتبارات الأخرى التي لم تدخل بعد في مجاله الإدراكي والمعرفي. إذن فالتمركز حول الذات ورغباتها هو القاعدة التي يتصرف على أساسها طفل ما قبل المدرسة. ولذا فهو يرضى بقدر ما يحقق له الوالدان من الرغبات، ويسخط بالقدر الذي لا تتحقق به هذه الرغبات وهو المناخ الذي يمكن أن تنمو يه مشاعر الغيرة. فالطفل يشعر بالرضا طالما هو يحصل على ما يريد، بينما يشعر بالسخط والضيق إذا حُرم مما كان يحصل عليه وحصل عليه شخص آخر.

وبقدر ما يكون الفقد يكون الشعور بالغيرة. وعادة ما تُكشف مشاعر الغيرة عندما يقف الطفل في موقف يعاني فيه الحرمان أو انسحاب الاهتمام وفقدانه بعد التمتع به، أو عندما يلاحظ ما يتمتع به الآخرون دونه، وقد يغذي الآباء شعور الطفل بالغيرة إذا ما بادروا بعقاب الطفل عندما يعبر عن غيرته بسلوك لا يقبلونه؛ ما يزيد من اشتعال نار الغيرة في قلبه.

فالقاعدة في الشعور بالغيرة بالغيرة هي فقدان الطفل لامتياز كان يحصل عليه، وكلما زاد حجم الفقد زادت حدة الشعور بالغيرة. فما هي المواقف التي يمكن أن تثير غيرة الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة؟ يمكن أن نشير إلى أهم هذه المواقف كالتالي:

  •  الموقف النموذجي والنمطي لشعور الطفل بالغيرة، وهو مولد الطفل التالي له في الترتيب. فبينما كان الطفل متمتعًا بمعظم اهتمام الأم ورعايتها فإنه يفاجأ بانسحاب هذا الاهتمام فجأة ومرة واحدة إلى أخيه الوليد الجديد، فيشعر بالغيرة الشديدة نحو هذا الوليد الذي اغتصب حقه في اهتمام الأم، كما يشعر بالحنق على الأم "التي غدرت به". وإذا عبر عن غيرته نحو أخيه بمحاولة مضايقته أو إيذائه في غيبة الأم؛ لأنها تنتسب إلى عالم الكبار الأقوياء، ولأنها ما زالت مصدر الرعاية له.
  •  ليس بالضرورة أن تثور غيرة الطفل نحو أخيه الأصغر، بل قد تتجه غيرة الطفل نحو أخيه الأكبر، وذلك إذا وجد أنه يحصل على حقوق وامتيازات لا يحصل هو عليها.
  •  في بعض الحالات تتجه غيرة الطفل ليس نحو أخيه، ولكن نحو أبيه، وهو مضمون فرويد إمام التحليل النفسي، حيث يرى أن الطفل يشعر بمشاعر الغيرة من والده حين يرى أنه يحصل على اهتمام ورعاية من الأم، في حين أنه يرى أمه ملكًا خاصًا له، واهتمامها ينبغي أن يكون مقصورًا عليه. وقد تتأكد مشاعر الغيرة عند الطفل نحو الوالد إذا ما لاحظ أن هناك علاقة خاصة بين الوالدين هو مستبعد فيها. ومن المواقف التي تظهر هذا النوع من الغيرة الحالات التي يغيب فيها الوالد لفترات يستأثر فيها الطفل بالأم، فإذا ما عاد الوالد أعطت الأم قدرًا كبيرًا من اهتمامها له، وهو الموقف الذي يدركه الابن كفقد حق له اغتصبه الوالد.
  •  يمكن أن تكون علاقة الأخوة بعضهم ببعض قائمة على الحب والتعاون، كما يمكن أن تكون قائمة على التنافس والصراع، وهذا يتوقف على معاملة الوالدين لأبنائهما. فالأصل أن الأخوة يحبون بعضهم بعضًا في ظل المعاملة الوالدية الحانية للجميع بدون تفرقة أو تميز، ولكن إذا ما عمد الوالدان أحدهما أو كلاهما إلى التمييز والتفرقة بين الأبناء فإن الآخرين يشعرون بالغيرة من أخيهم المفضل.
  •   ليست التفرقة بين الأبناء هي الأخطاء الوالدية الوحيدة في التنشئة، بل إن الآباء قد يخطئون خطأ آخر، وهو المقارنة بين الأبناء. وهم قد يفعلون ذلك لزيادة الدافعية عند الأبناء أو لتحميسهم وليكون أداؤهم الدراسي والسلوكي كله عند مستوى مرتفع. ولكن هذه المقارنة تكون مثيرة لغيرة بعض الأبناء ممن لا تكون المقارنة في صالحهم، وهي مقارنة تغفل الفروق الفردية بين الأبناء واختلاف قدراتهم وإمكانياتهم، وهو أمر ليس للأطفال دخل أو مسئولية فيه.
  •  هناك أطفال لهم وضعية خاصة تجعلهم عرضة للشعور بالغيرة مثل الطفل الوحيد. فقد يبدو أن هذا الطفل لن يحرم من شيء، وأن الوالدين يلبيان كل ما يطلبه، وهذا صحيح، ولكن هذه التلبية السريعة والكاملة لرغباته هي التي تجعله لا يتحمل الحرمان، ولا يعوَّده أن يتساوى مع الآخرين في الخضوع للنظام والقاعدة. فمشكلة هذا الطفل مع الغيرة أنها لا تظهر في المنزل، ولكنها تظهر في روضة الأطفال، عندما يُعامَل كما يُعامَل بقية الأطفال، ويجد أن المعلمة توجه اهتمامها إلى كل الأطفال بالتساوي، بل قد توجه المعلمة المزيد من الاهتمام والمديح للطفل المتميز تحصيليًا أو سلوكيًا، فيشعر بالغيرة والحنق على زميله المتفوق.
  •  كذلك قد يتعرض الطفل الأخير في الأسرة إلى الشعور بالغيرة، فهو مثله مثل الطفل الوحيد يحصل على الكثير من الأسرة، ويتعود على نمط من المعاملة لن يجده بين أقرانه في الجيرة أو في المدرسة. فالطفل الأخير طفل تعود على الأخذ والتلقي، ولم يتعود على العطاء، والتنازل للآخرين، وهذا النمط من التعامل لن يجده في مكان آخر خارج الأسرة؛ مما يوقعه في مواقف يكون مطالبًا فيها بالأخذ والعطاء، مما يعجز عنه ويشعره بالفشل، وما يترتب عليه من مشاعر الغيرة.

 

د- كيف تقلل من مشاعر الغيرة عند الطفل؟

الشعور بالغيرة ليس أمرًا وراثيًا أو تكوينيًا يولد به الطفل ولكنه شعور يتولد نتيجة التنشئة الوالدية وله ولسلوك الوالدين وللمناخ الأسري والمدرسي الذي يعيش في ظله، ومن ثم إذا ما أدركنا كآباء ومعلمين أعباد هذه القضية استطعنا أن نتجنب المواقف التي تثير غيرة الطفل. وإن وعي الآباء والمعلمين وعدم خلقهم للمواقف التي تثير غيرة أطفالهم من شأنهما أن يقللا هذا الشعور الكريه إلى أكبر درجة ممكنة، ولا يخلقا لنا فيما بعد ما نسميه "الشخصية الغيورة".

وما يمكن أن ننصح الآباء به هو الحرص على تجنب المواقف المثيرة لغيرة الأطفال مثلاً:

  •  أن تهيئ الأم وليدها لمقدم أخيه، وأن تنبهه إلى أن وليدًا صغيرًا سيولد قريبًا ويكون أخًا حبيبًا له، وأنه سيساعد الأم في ملاحظته ورعايته، وعلى الأم ألا تنسحب فجأة وكلية من الاهتمام بالطفل عند مجيء الوليد الجديد.
  •   على الآباء ألا يميزوا أي طفل من أطفالهما على الآخرين مهما كانت قدراته: حتى لا يزرعوا بذور الغيرة عند أخوته.
  •  لا ينبغي أن يكون للأخ الأكبر حقوق تفوق حقوق أخوته؛ حتى نجفف المنابع التي تثير غيرة الأطفال.
  •  عندما تهتم الوالدة بأمور الوالد فلا ينبغي لها أن تفعل ذلك على نحو وفي توقيت من شأنه أن يثير غيرة الطفل الذي يعتبر الأم ملكًا خاصًا له.
  •  ينبغي أن نحذر الآباء من إجراء المقارنات بين الأخوة مهما كانت دوافعها.
  •   بالنسبة إلى الطفل الوحيد، ينبغي أن يدرك الآباء أن تلبية جميع رغباته بدون حدود لا تيسر عملية توافقه خارج المنزل، بل على الوالدين أن يشعرا الطفل بأن بعض الرغبات أحيانًا لا تتحقق، أو يتأجل إشباعها، أو يتم التنازل عنها. ولا بد أن نضع رغبات الآخرين في اعتبارنا.
  •  كذلك فالطفل الصغير الذي تعود أن يأخذ بدون أن يعطي، عليه أيضًا أن يفهم من الآباء أن الحياة آخذ، وعطاء وليست أخذًا فقط. وكما أن له حقوقًا فإن عليه واجبات.

المصدر:

  • مجلة خطوة العدد 18 - ديسمبر 2002
  • أ. د. علاء الدين كفافي- أستاذ الصحة النفسية والإرشاد النفسي بمعهد الدراسات والبحوث التربوية – جامعة القاهرة
  • Currently 309/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
105 تصويتات / 2493 مشاهدة
نشرت فى 19 يوليو 2009 بواسطة byotna

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,840,894

تعالَ إلى بيوتنا على فيسبوك